منذ موجة الإرهاب التى ضربت مصر بعد ثورة 30 يونيو كثرت المؤتمرات والفعاليات التى تدعو لمواجهة الفكر المتشدد حتى تَرسخ لدى الجميع، خصوصاً من هم فى الخارج، أن السبب الرئيسى لتلك الموجة الإرهابية هو فكر ومعتقدات لدى شريحة فى المجتمع حاولت تطبيقها وتنفيذها بأعمال إرهابية، وهذا يخالف الحالة الإرهابية التى تضرب مصر الآن، بل إن هذا يسىء إلى مجموع الشعب المصرى. لذا علينا أن نفرق بين نوعين من الإرهاب؛ إرهاب نتج عن اعتناق أصحابه لأفكار ومعتقدات متشددة ومتطرفة بدأت بتكفير الحاكم مثلاً وانتهت بتكفير المجتمع كله، وهذا نموذج عايشناه فى أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات متمثلاً فى الجماعة الإسلامية التى حين أرادت أن تنزل وتنفذ معتقداتها على الأرض قتلت الحاكم «السادات» وارتكبت كثيراً من الأفعال تجاه المجتمع كله. وهذا النوع من الإرهاب الناتج عن اعتناق الأفكار المتطرفة يمكن أن ينتشر فى المجتمع، خصوصاً فى القرى والنجوع وأطراف المدن، ودائماً ما تكون الزوايا والمساجد الصغيرة مفرخة لتوليد وجذب الأتباع، وهذا تابعناه فى أنشطة الجماعة الإسلامية وجماعات الجهاد فى مصر فى فترة ما. مع هذا النوع من الإرهاب يكون رفع شعار محاربة الأفكار المتشددة منطقياً ومقبولاً، وتحرك مؤسسات الدولة على جميع الأصعدة ضرورة مهمة؛ لأنه ببساطة هناك انتشار لهذا الفكر فى مكونات الشعب، أى أن مبدأ المواجهة يقوم على الوقاية وتحصين العقول من هذه الأفكار، ويقوم أيضاً على التصدى وفضح ضلال هذا الفكر وأصحابه عبر حشد علماء الأمة الموثوق بهم لتبيان حقيق الدين، خصوصاً فى القضايا الخلافية مثل الجهاد ودور المسلم فى التغيير. هذا النوع أيضاً من الإرهاب الناتج عن الفكر المتشدد تنجح معه فكرة المراجعات الفكرية والفقهية لأصحابه حين يعلنون ذلك، وقد تجلى ذلك فى المراجعات التى أطلقها أمراء الجماعة الإسلامية، وتحديداً كرم زهدى وناجح إبراهيم عام 1998، وأصبحت رسمية فى 2001 ونتج عنها خروج عدد كبير من أعضاء الجماعة من السجن. بالتالى نستطيع القول بل التأكيد على أن موجات الإرهاب التى ضربت مصر فى سبعينات وثمانينات القرن الماضى كانت نتيجة ومحصلة لانتشار أفكار التشدد والتكفير فى مصر ونجحت مواجهتها عبر محورين: المواجهة والتصدى عبر مؤسسات الدولة وعلمائها، وعبر إقرار أصحاب هذا الفكر بخطأ أفكارهم والرجوع عنها. أما الحالة التى فى مصر الآن، تلك الموجة التى ضربت مصر بعد ثورة 30 يونيو، فلا يمكن بأى حال من الأحوال مقارنتها بما ذكرته مسبقاً عن الموجات الإرهابية، ولا يمكن أيضاً توصيفها بأنها إرهاب ناتج عن فكر متشدد، أو الإقرار بأن هناك فكراً متشدداً تكفيرياً قد انتشر فى مصر، وعلينا رفع شعار مواجهته، لأنه ببساطة ليس هناك انتشار وبائى لهذا النوع من الفكر، بل إن المجتمع المصرى وفئات شعبه العمرية لم تشهد تماسكاً وتوحداً فى المجمل تجاه هذه الأنواع من الأفكار الهدامة كما تشهده وتعيشه الآن، والدليل فليذكر لى أى شخص اسماً معيناً يمكن أن نقول هو من دعاة هذا الفكر، أو مكاناً يؤمه الناس لسماع تلك الأفكار، أو تنظيماً يوجد فى الحالة المصرية يدعو إلى هذا الفكر، أعرف أن هناك من سيبادر بذكر تنظيم أنصار بيت المقدس وغيره وهذه تنظيمات إرهابية ترتكب أعمالاً إرهابية وهم قلة محاصرة من الأجهزة الأمنية ومن الشعب نفسه، فلا يمكن أن تتصور شخصاً من هذا التنظيم ممكن أن يظهر ليعلن عن أفكاره فى حشد من الناس مثلاً. أعود إلى توصيف الحالة الإرهابية التى نحن بصددها الآن، وعلينا أن نعود إلى الأسباب التى أوجدت تلك الموجة، سنجد أن هناك فصيلاً سياسياً، وهو الإخوان، خسر سياسياً وسقط تحت أقدام شعب ثار فى 30 يونيو فعزل ممثلهم فى الرئاسة، محمد مرسى، وسنجد جيشاً وطنياً انحاز إلى الشعب فى مواجهة تلك الجماعة، وبعدها تتذكرون تطور العداء من قبَل هذه الجماعة تجاه المجتمع كله تنفيذاً لمبدأ «إما أن نحكمكم وإما أن نقتلكم»، ثم انفجرت موجة الإرهاب الأسود من سيناء تجاه الجيش أولاً، ثم تطورت إلى المواطنين والمؤسسات، وهنا علينا أن نتذكر مقولة «البلتاجى» الشهيرة: «ليخرج مرسى ويعود إلى الحكم وسيتوقف ما يحدث فى سيناء فوراً». وهنا تثبيت لعلاقة مهمة بين الجزء السياسى فى الجماعة وبين التنظيمات الإرهابية، أو بمعنى أدق تمت صفقة بين المنهزمين سياسياً وبين أصحاب الفكر المتشدد، وأقصد هنا التنظيمات الإرهابية التى ربتها جماعة الإخوان و«مرسى» طوال عام فى الرئاسة. ثم بعدها تم فض رابعة والنهضة وتجلت محاربة الجماعة للمجتمع، ولعل أحداث مسجد الفتح وما شاهدناه فى المهندسين والصعيد وكرداسة كلها تصب فى محور مهم وهو الإرهاب رغبة فى الانتقام السياسى. لذلك من المهم والضرورى جداً أن ندقق ونوضح ونعلن ونبرز أسباب تلك الموجة التى تضرب مصر الآن؛ لأن فى ذلك تبرئة لمجمل الشعب المصرى من مرض وفيروس التشدد والتكفير، فرق بين إرهاب ناتج عن فكر متشدد، وبين إرهاب ناتج عن رغبة فصيل سياسى خاسر فى الانتقام؛ لأن التركيز على أن السبب هو الفكر المتشدد قد يضع هذا الشعب والمجتمع فى تشابه مع مجتمعات أخرى يجتاحها التطرف الداعشى وغيره.