سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أمريكا: البادى أظلم الإدانة بالإدانة.. والبيان بالبيان.. والإحراج بالإحراج: مصر ما بتشتغلش عند حد القاهرة تطالب واشنطن للمرة الأولى بضبط النفس فى مظاهرات «فيرجسون».. وتجبر الإدارة الأمريكية على التراجع عن تصريحاتها مرات عديدة
كان لتأخر مكالمة الرئيس الأمريكى باراك أوباما أثر على بداية العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة فى أول أيام حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى، بشكل يوحى أن تلك العلاقات لن تسير أبداً على الوتيرة التى كانت عليها فى عهود الرؤساء المصريين السابقين، والقائمة على «استرضاء» أمريكا ولو على حساب مصالح مصر. وقتها، بررت الخارجية الأمريكية تأخر محادثة أوباما للسيسى بسبب الشواغل التى كانت تضغط عليه، وبالفعل أجرى أوباما مكالمة مع السيسى وجه له خلالها التهنئة وأكد استمرار دعم الولاياتالمتحدة للطموحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعب المصرى وعلى احترام حقوقه العالمية، ولكنه دعاه إلى مراعاة الحريات السياسية، محاولاً «دس السم فى العسل»، وكانت هذه المحادثة الأولى والأخيرة بين أوباما والسيسى منذ تولى الأخير منصب الرئاسة، وإن ظهر واضحاً أن التوتر بين البلدين يكمن تحت السطح. جاء الحكم على النشطاء السياسيين فى قضية أحداث مجلس الوزراء بسبب قانون التظاهر، فضلاً عن الحكم على المتهمين فى خلية الماريوت، بمثابة الشرارة التى أظهرت توتر العلاقات بين البلدين من خلال تصريحات الخارجية الأمريكية التى دعت إلى الإفراج عن المحكوم عليهم، وردت الخارجية المصرية بأن هذه الأحكام ليست نهائية ولا يمكن التعليق عليها، ورغم ذلك استمرت الخارجية الأمريكية فى مؤتمراتها الصحفية اليومية فى الإشارة لمصر على مدار أسابيع تطالب بحرية التعبير، والإفراج عن السجناء، رغم تشديد الخارجية المصرية على رفضها التدخل فى شئوننا الداخلية. كان هذا بداية الرد المصرى على أمريكا فى عهد «السيسى»، الذى كان يجهز للتدخل الأمريكى فى الشئون الداخلية المصرية رداً بطريقة أخرى. لم يكن أحد يتخيل أن تدعو مصر فى يوم من الأيام «الولاياتالمتحدة» لضبط النفس فى التعامل مع المتظاهرين فى شوارعها، عندما طالبت مصر واشنطن ب«ضبط النفس» فى تعاملها مع المتظاهرين الذين انطلقوا فى شوارع مدينة «ميزورى» الأمريكية احتجاجاً على عنصرية الشرطة. وكان البيان المصرى بمثابة «صفعة» للولايات المتحدة أمام العالم، دفع دولاً أخرى مثل الصينوروسيا إلى إصدار بيانات مماثلة تحث واشنطن على احترام حقوق الإنسان، وهو ما استفز واشنطن، ودفع الخارجية الأمريكية للرد على بيان مصر بأن لديها الكثير من الحريات التى تفقدها مصر فى التعامل مع المتظاهرين، وتحول الأمر إلى تراشق إعلامى بين الطرفين. ولكن الأهم أن تلك الوقفة أكدت أن هناك نوعاً من الندية فى العلاقات بين البلدين لأول مرة فى تاريخها، يقول سيد أبوزيد، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية إن السياسة الخارجية لمصر بعد ثورة 30 يونيو، تحت قيادة الرئيس السيسى، تتعامل على أساس الاحترام المتبادل بينها وبين الدول الأخرى، بما فيها الولاياتالمتحدة، مؤكداً أن «تبعية مصر للولايات المتحدة انتهت». بينما أشاد كمال عبدالمتعال، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، بسعى مصر لما وصفه ب«التحرر من النفوذ الأمريكى»، وسيطرة الولاياتالمتحدة على الوضع المصرى فى 30 سنة من حكم مبارك. وأضاف عبدالمتعال «مصر عانت كثيراً من خضوعها للولايات المتحدة، التى بيتت النية لإذلالها، والوقوف أمام تقدمها حيث استغلت واشنطن المساعدات الاقتصادية والعسكرية لإخضاع مصر، والتحكم فى قراراتها، وهو ما أصبح غير مجدٍ بعد ثورتين، كانت أهم مطالبهما استقلال مصر وتحريرها من تبعيتها للغرب، خاصة الولاياتالمتحدة». وأكد عبدالمتعال «الإرادة المصرية الجديدة، تحت قيادة السيسى رفضت التبعية، لأنها تسعى لاستقلال قرارها والخروج من تحت المظلة الأمريكية، وهو ما أدى لتوتر علاقة القاهرةبواشنطن التى لا تزال تحاول فرض سيطرتها». تجدد التوتر بين البلدين بعد تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية مارى هارف، عن استخدام مصر للمساعدات العسكرية الأمريكية فى قمع المتظاهرين، ففتحت القاهرة النار عليها مجدداً، وأصدرت وزارة الخارجية بياناً شديد اللهجة أكدت فيه أن هذه التصريحات الممجوجة تنم عن قصور وجهل كامل بحقائق الأمور فى مصر، وتفتقر إلى أبسط قواعد المصداقية والموضوعية. وتداركت الولاياتالمتحدة الموقف سريعاً وأصدرت تبريرات تشير إلى الخطأ فى فهم التعبير المقصود، ونقلت التركيز إلى أزمة غزة التى كانت مشتعلة فى ذلك الوقت، لتصبح القضية الفلسطينية أحد المحاور التى اضطرت فيها واشنطن للتنسيق مع القاهرة، على الرغم من وجود تسريبات تشير إلى الدعم الأمريكى غير المعلن للمبادرة القطرية التى طرحت لإفساد الدور المصرى فى الوساطة الفلسطينية دون جدوى، وظهر مصدر مسئول مصرى برسالة محددة ل«واشنطن»: نحن نرحب بدور أمريكى فى القضية الفلسطينية ولكن من دون «أذناب». فى إشارة لقطر وتركيا اللتين تريد وا شنطن مكافأتهما على حساب المصالح الفلسطينية. مصر كانت جاهزة بتحرك آخر فى لعبة التوازنات الدولية، حيث جاءت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى روسيا والحفاوة التى استقبله بها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لتضع بصمتها على مسار العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة، فسارعت واشنطن بالإعلان على لسان المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية مارى هارف أن الولاياتالمتحدة لديها علاقات استراتيجية قوية مع مصر، ثم أعلنت الخارجية الأمريكية بعدها عن طريق مسئول بارز إرسال 10 طائرات أباتشى تم تعليقها عقب عزل محمد مرسى، لمحاربة الإرهاب فى سيناء. من جانبه أكد السفير حسين هريدى، مساعد وزير الخارجية الأسبق ل«الوطن» أن الولاياتالمتحدة تعلم أن مصر فى هذه المرحلة فى حاجة للمعونة الأمريكية وأن روسيا لن تستطيع أن تحل مكان واشنطن فى تقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية تبلغ 1.5 مليار دولار سنوياً مصر فى حاجة إليها، وأن صفقات السلاح الروسية لمصر لن تعوض الجيش عن اعتماده على السلاح الأمريكى. وقال «هريدى» إن مساحة الاختلاف اتسعت بين البلدين على المستوى التكتيكى، وهذا لا ينسحب على مجمل العلاقات، وعلى المستوى الاستراتيجى، موضحاً أن التغير فى الخطاب بين واشنطنوالقاهرة جاء نتيجة عوامل مؤقتة ومرحلية وعندما تتغير هذه الظروف المرحلية يجب أن نرى إذا كان هناك تحول جذرى فى علاقات البلدين، وبالتالى من السابق لأوانه الحديث عن وجود تغييرات جوهرية فى العلاقات المصرية الأمريكية. معتبرا أن أكبر دليل أن السياسة المصرية تجاه «واشنطن» لم تتغير أن مصر انضمت للتحالف الدولى الذى شكلته الولاياتالمتحدة لمحاربة تنظيم «داعش»، وأنه لا يمكن الحديث عن ندية فى العلاقات طالما ما زلنا نحصل على مساعدات «الندية تأتى عندما تكون لا تحتاج إليهم». بشكل عام، لا يبدو أن اضطرار البلدين للتعاون معاً فى مواجهة التهديد الإرهابى سيعيد العلاقات المصرية الأمريكية إلى ما كانت عليه من قبل، وظهر ذلك فى الموقف الأمريكى بعد توجيه بعض الجماعات المتشددة فى ليبيا اتهامات لمصر والإمارات بتوجيه ضربات عسكرية من جانبهما لمواقع ليبية، فحاولت الولاياتالمتحدة إقحام مصر فى تلك القضية.