يطوّح فأسه فى الهواء فيقطع به قرص شمس كسولاً فى ساعة الشروق، ينهال به على جبهة الطين كطرقات مستأذن، يقيم صلبه تاركاً زميل مهنته، «فأسه»، إلى جانبه ويمسح بإحدى كفيه الجافتين المشققتين عرق جبهته السمراء العريضة، يخلع عن رأسه المنحول طاقيته الصوف ليجفف الوجه الكالح بارز الملامح من الماء المالح.. يعيد إلى رأسه رداءها وإلى كفيه فأسها حتى تحمى الشمس ثم تغيب: القمح زى الدهب بينادى شرشرتك وزرعة القطن مسِتنيه منقرتك وجاموستك الحلوة يم المسقى وبقرتك لازم لهم حضن والا اتنين حشيش أخضر وتجيبهم الدار وتتعشى فى مندرتك يا عازق الأَرض مين غيرك حيرويها يا زارع الغلة يا منبّت تقاويها مين اللى هيضمها ولّا يدرّيها لو كنت ما نتاش هنا لا قدر الله يوم كان مين ح يفرّح قلوبهم بالمحبة مين؟ (صلاح جاهين - القمح زى الدهب) قامت على أكتافه المفتولة حضارات الأرض القديمة، دارت حوله الدنيا ودار هو حول الأرض، إرثه من أسلافه إلى أخلافه.. ورث عنهم يدين تغرس وأجراً بخساً مقابل ما يعمل، ورث طيناً يُخرّج وشمساً تنضج.. ورث عيدان الأرز وكيزان الذرة وسنابل القمح ولوزات القطن وأزهار العباد وغيطان القصب وعرائش العنب. ورث دنيا كاملة بتقويم مستقل تتابع فيه شهور العمل.. من توت الرى إلى برمهات النضج وبرمودة الحصاد وبشنس الفاصل بين المواسم وأبيب «فيه العنب يطيب». ليام دى ع الجسر بتفوت ناس ما هيش منا تقلَّع الزرع وتبهدل فى نسواننا وتخطف اللقمة من أولادنا وتهيننا وكل ما يفوتوا تحصل معركة حامية ونصبح والشهدا فايتيننا (صلاح جاهين - القمح زى الدهب) مجنى عليه فى أرضه.. بين أسعار الإيجار الباهظة، وجشع السوق السوداء التى تبيع له الأسمدة بأسعار مضاعفة فتقاسمه لقمة عيشه وتضيّق عليه رزقه، وأرضه المهددة بالبوار.. تبور إن تباطأ فى ريها بماء الترعة الحلوة.. وتبور إن سارع بريها بمياه المصارف الطافحة بالمرض النادحة بالماء.. هموم فوق هموم يعانيها الفلاح تنسيه عيده السنوى ال62 الذى يتزامن مع ذكرى قانون أعاد توزيع ملكية الأرض وزرعه سنبلة قمح فى منتصف 5 أفدنة هيمن عليها لسنين حفنة من الإقطاعيين. وما بين إقطاعيى الملكية والقائمين مقام الإقطاعيين فى السوق السوداء وعلى منافذ الترع لا يرى الفلاح سنابل قمح كالذهب.