تدخل الحكومة المصرية جولة جديدة من المفاوضات في الخرطوم بشأن ملف سد النهضة الإثيوبي، في ظل مشهد تسوده أجواء من التفاؤل والحذر بين المتابعين لمستجدات المشهد الذي يزداد تعقيدًا في ظل استمرار المفاوضات دون الوصول إلى نقطة التقاء بين الأطراف الثلاثة واستمرار الحكومة الإثيوبية في بناء السد. الجانب الإثيوبي الذي أبدا تفهمًا للمخاوف المصرية من بناء السد في لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي هاليماريام ديسالن، على هامش القمة الأفريقية في مالابو، يري البعض أنه يستغل المفاوضات لكسب مزيد من الوقت لبناء السد. المفاوضات التي تستمر لمدة 48 ساعة بالعاصمة السودانية الخرطوم، وتعقد بمقر قاعة الصداقة السودانية الصينية، تطالب فيها الحكومة المصرية ممثلة في حسام مغازي، وزير الموارد المائية، تغيير تصميمات السد وانخفاض ارتفاع السد وعدم بناء الثلاثة سدود الفرعية الأخرى، بالإضافة إلى اشتراك الدول الثلاث في بناء السد والاستفادة من الطاقة الكهربائية المولدة. وعلى صعيد آخر، استطاعت الدبلوماسية المصرية بذكاء شديد استمالة الجانب السوداني في المفاوضات عقب تراجعها عن دعم المعارضة السودانية بالقاهرة وإلغاء مؤتمرها ضد نظام البشير، مقابل دعم الخرطوم للموقف المصري في مفاوضات الغد، ما أتبع هذه الخطوة سيولة كبيرة في العلاقات المصرية- السودانية، وظهر ذلك واضحًا في مكالمة الرئيس عبدالفتاح السيسي لنظيره السوداني عمر البشير للاطمئنان على صحته وافتتاح الطريق البري بين البلدين الذي تعطل افتتاحه لسنوات طويلة، لأسباب أمنية، بالإضافة إلى سلسلة التصريحات الإيجابية من القيادات السودانية حول دور مصر في دعم الحوار الديمقراطي بين الحكومة والمعارضة في السودان. ويرى الخبير الاستراتجيي الخبير هاني رسلان، أن التفاؤل بشأن مفاوضات سد النهضة في الخرطوم مبني على أسس غير واقعية، في ظل عدم تغير الموقف الإثيوبي بشكل كبير، كما أن الموقف السوداني لن يكون حاسمًا في القضية، خاصة أن السودان يناور لكسب مصالح استراتيجية مع مصر دون إبداء تغيير واضح في الموقف من ملف سد النهضة. وأشار رسلان إلى أن الحديث عن تنسيق عسكري بين إثيوبيا والسودان يأتي في إطار محاولة إثيوبيا الترويج بأن موقف البلدين واحد وأن مصر ستدخل المفاوضات "في عزلة"، خاصة أن السودان ليس لديه ما يقدمه لإثيوبيا عسكريًا، في ظل أن معظم أراضيه خارج السيطرة. وأوضح السفير عادل العدوي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن المناخ العام للمفاوضات في الخرطوم مهيأ للوصول إلى اتفاق مرضٍ لكل الأطراف ولو بعد حين، حيث إن مصر تفتح الآن ذراعيها أمام كل أشقائها الأفارقة، وعلى رأسهم إثيوبيا لخلق آليات للتعاون المشترك، خاصة عقب القمة الإفريقية الأخيرة. وأضاف العدوي أن القيادة المصرية على وعي كامل بطبيعية التحركات التي تتم لزيادة الفجوة بين مصر وإثيوبيا من قِبل قوى إقليمية لها مصالح خاصة، إلا أن العدوي أبدى ثقته أن الدبلوماسية المصرية سيكون لها الدور الأكبر في حسم الموقف المصري.