3 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف منزلًا لعائلة "الدربي" غرب مدينة رفح    ميقاتي: إعلان حماس الموافقة على وقف إطلاق النار خطوة لوقف العدوان الإسرائيلي    طقس اليوم مائل للحرارة نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 28    ضابط شرطة.. ياسمين عبد العزيز تكشف حلم طفولتها وعلاقته بفيلم «أبو شنب»    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    وسائل إعلام أمريكية: القبض على جندي أمريكي في روسيا بتهمة السرقة    ميلكا لوبيسكا دا سيلفا: بعد خسارة الدوري والكأس أصبح لدينا حماس أكبر للتتويج ببطولة إفريقيا    خبير لوائح: أخشي أن يكون لدى محامي فيتوريا أوراق رسمية بعدم أحقيته في الشرط الجزائي    شبانة ينتقد اتحاد الكرة بسبب استمرار الأزمات    سعر الحديد والأسمنت اليوم في مصر الثلاثاء 7-5-2024 بعد الانخفاض الأخير    مصر تستعد لتجميع سيارات هيونداي النترا AD الأسبوع المقبل    وصول بعض المصابين لمستشفى الكويت جراء استهداف الاحتلال حي التنور شرق رفح    للمرة الثانية في ليلة واحدة، زيندايا تتصدر الترند بإطلالتها الجديدة ب الميت جالا    رامي صبري يحيي واحدة من أقوى حفلاته في العبور بمناسبة شم النسيم (صور)    كاسونجو يتقدم بشكوى ضد الزمالك.. ما حقيقة الأمر؟    العاهل الأردني: الهجوم الإسرائيلي على رفح يهدد بالتسبب في مجزرة جديدة    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    وكيل صحة قنا يجري جولة موسعة للتأكد من توافر الدم وأمصال التسمم    لا تصالح.. أسرة ضحية عصام صاصا: «عاوزين حقنا بالقانون» (فيديو)    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الأخير.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الثلاثاء 7 مايو بالصاغة    مصرع سائق «تروسكيل» في تصادم مع «تريلا» ب الصف    صندوق إعانات الطوارئ للعمال تعلن أهم ملفاتها في «الجمهورية الجديدة»    عملت عملية عشان أخلف من العوضي| ياسمين عبد العزيز تفجر مفاجأة.. شاهد    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    التصالح في البناء.. اليوم بدء استلام أوراق المواطنين    النيابة تصرح بدفن 3 جثامين طلاب توفوا غرقا في ترعة بالغربية    مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في حادثين منفصلين بإدفو شمال أسوان    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    وفد قطري يتوجه للقاهرة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس اليوم    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    برلماني يطالب بإطلاق مبادرة لتعزيز وعي المصريين بالذكاء الاصطناعي    عاجل - تبادل إطلاق نار بين حماس وإسرائيل قرب بوابة معبر رفح    القومية للأنفاق تبرز رحلة بالقطار الكهربائي إلى محطة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية (فيديو)    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    العمل العربيَّة: ملتزمون بحق العامل في بيئة عمل آمنة وصحية كحق من حقوق الإنسان    سؤالًا برلمانيًا بشأن عدم إنشاء فرع للنيابة الإدارية بمركز دار السلام    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    عملية جراحية في الوجه ل أسامة جلال    فيديوهات متركبة.. ياسمين عبد العزيز تكشف: مشوفتش العوضي في سحور وارحمونا.. فيديو    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل كل قضاء قضيته لنا خيرًا    مصر للطيران تعلن تخفيض 50% على تذاكر الرحلات الدولية (تفاصيل)    في 7 خطوات.. حدد عدد المتصلين بالراوتر We وفودافون    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    ريمونتادا مثيرة، ليون يفوز على ليل 4-3 في الدوري الفرنسي    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    بالأسماء، إصابة 16 شخصا في حادث الطريق الصحراوي الغربي بقنا    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    كيفية صنع الأرز باللبن.. طريقة سهلة    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية «سايكس بيكو».. هل من بديل؟
نشر في الوطن يوم 23 - 08 - 2014

قبل مائة عام بالضبط اندلعت الحرب العالمية الأولى. دخلت الدولة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا، فأصبحت كل أراضى سلطنة بنى عثمان هدفاً للحلفاء من الإنجليز والفرنسيين. سقط ما تبقى من ممتلكات عربية للدولة العثمانية فى يد الإنجليز والفرنسيين، فتم احتلال المشرق العربى كله. وقتها لم توجد هناك دول فى هذه المنطقة وإنما ولايات عثمانية تميزها حدود إدارية غير صارمة يجرى إعادة رسمها بين الحين والآخر. كانت هناك مراكز قوية لولايات مستقرة لها خصائصها وهويتها المميزة، مثل دمشق وحلب والبصرة والموصل وبغداد وبيروت وجبل لبنان، لكن حدود هذه الولايات كانت دائمة التغير لاعتبارات مختلفة.
لم تكن الولايات المختلفة موحدة تماماً فى إطار دولة بنى عثمان، فكل منها كانت له ثقافته المميزة ونظامه الإدارى وقوانينه الخاصة فى إطار نظام عثمانى أتاح قدراً من المرونة والتعددية، ولكنها لم تكن مقسمة أيضاً. عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى كان الغضب ضد الدولة العثمانية آخذاً فى التصاعد بين العرب بسبب محاولات العثمانيين تغيير هذا الوضع عبر فرض المزيد من سلطة الدولة التركية المركزية على ولايات اعتادت قدراً لا بأس به من الاستقلال الذاتى. كان الأتراك يواجهون مأزقاً تاريخياً، فالدول الأوروبية المنافسة لهم أصبحت قوية وقادرة بعد أن أخذت بنظام الدولة الحديثة شديد المركزية. حاول الأتراك إجبار الممالك التابعة لهم على الخضوع لنظام الدولة المركزية الحديثة، فحرموها من استقلالها الذاتى وأشعلوا نار الغضب فيها. كان على الأتراك الاختيار بين التحول إلى دولة مركزية حديثة ليتمكنوا من مجاراة خصومهم الأوروبيين حتى لو أدى ذلك إلى إشاعة الغضب فى الولايات العربية، أو الإبقاء على نظام الإدارة العثمانية المرن وغير المركزى لتتجنب إثارة الغضب العربى حتى لو أدى ذلك إلى إبقاء السلطنة ضعيفة فى وجه خصومها. المعضلة كانت تحتاج إلى حل عبقرى خلاق يحقق الوحدة ويبقى على التعدد والتنوع فى الوقت نفسه، ولكن هذا ما فشل الأتراك فى تطويره.
احتل الإنجليز والفرنسيون المنطقة واتفقوا على تقسيمها وفقاً لاتفاق سايكس بيكو الشهير. دخل المشرق العربى الحرب العالمية الأولى وفيه عشر ولايات عثمانية وخرج منها وفيه خمسة كيانات سميت دولاً: العراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين. الجراحة الاستعمارية فى المشرق العربى قسمت المنطقة نعم، لكنها وحدته أيضاً. لقد تم تقسيم الوحدة العثمانية المرنة والضعيفة لتحل محلها دول أكثر مركزية وشبهاً بالدول الحديثة موحدة السلطة، وهى الكيانات والدول التى نراها تنهار أمام أعيننا الآن فى العراق وسوريا ولبنان بعد حوالى مائة عام من إنشائها، فأين هى المشكلة، ولماذا تبدو هذه الدول وقد استنفدت دورة حياتها التاريخية؟
المشهد الراهن فى المشرق العربى يوحى بأن المنطقة التى قسمها الاستعمار تتجه نحو مزيد من التقسيم، كما لو كان المشرق العربى سيخرج من الاضطراب الراهن وفيه عدد من الدول يزيد على عدد الدول التى خلقها الاستعمار فى المنطقة. مخاطر التقسيم الراهنة توحى بأن الاستعمار لم يقسم المنطقة حقيقة، وإنما حاول أن يخلق فيها دولاً أصغر حجماً ظنها قادرة على البقاء أكثر من تلك الوحدة العثمانية الفضفاضة. لكن كان هناك قدر كبير من الاصطناع فى الحدود التى رسمها الاستعمار، كما كان هناك قدر كبير من التحكمية فى الدول التى خلقها. كانت حلب جغرافياً واقتصادياً أقرب للموصل التى أصبحت عراقية منها لدمشق التى أصبحت عاصمة للدولة السورية. طرابلس اللبنانية كانت أكثر قرباً لدمشق منها لبيروت التى باتت عاصمة لدولة لبنان المكبرة. الجيوب الطائفية العلوية والمارونية والشيعية كانت مستعصية على الدمج فى أى وحدة أكبر. أطماع الاستعمار جعلت «سايكس بيكو» اتفاقاً لاقتسام الغنائم وليس مشروعاً جدياً لإنشاء نظام إقليمى قابل للبقاء.
استقلت بلاد المشرق العربى منذ أكثر من سبعين عاماً، وتولت النخب الوطنية المسئولية عن هذه الكيانات بكل ما لها وما عليها. الحروب الأهلية الجارية فى سوريا والعراق وتلك الحرب الأهلية التى تخيم على لبنان طوال الوقت هى شهادة فشل النخب العربية فى إدارة هذه البلاد. هناك عيب خلقى فى هذه الدول سببه التدخل الاستعمارى الغشيم، وهناك عيب سياسى وفكرى منع النخب الحاكمة من احتواء عيوب التأسيس المصطنع. المسئولية عما نشهده الآن فى المشرق العربى موزعة بين عثمانيين فشلوا فى المزاوجة بين الوحدة والتعدد فى إطار إمبراطورية بنى عثمان، واستعمار أوروبى اصطنع حقائق سياسية غير قابلة للديمومة، ونخب وطنية حكمت ففاقمت المشاكل حتى بات المشرق العربى يتجه نحو مزيد من التقسيم لتقوم فيه دول وإمارات طائفية وعرقية صغيرة كردية وعلوية وشيعية وسنية وداعشية.
السؤال المطلوب الإجابة عنه الآن هو نفس السؤال الذى كان مطلوباً الإجابة عنه منذ زمن العثمانيين. إنه سؤال الوحدة والتنوع: كيف يمكن تحقيق الوحدة مع احترام التنوع الثقافى والدينى والمذهبى والعرقى الموجود واقعياً؟ إنه سؤال السلطة المركزية والاستقلال الذاتى المحلى: كيف يمكن إنشاء سلطة مركزية قوية بما يكفى لقيام دولة حديثة فى نفس الوقت الذى يتم فيه ضمان قدر كافٍ من الاستقلال الذاتى للأقاليم تحفظ لها خصوصيتها؟ إنه سؤال السلطة والحرية: كيف يمكن تأسيس سلطة لها من القوة والموارد ما يمكنها من الحكم الفعال وضمان وحدة الكيان فى نفس الوقت الذى يتاح فيه للأفراد والجماعات قدر كافٍ من الحرية يضمن لهم الكرامة وحق الاختيار والحصانة ضد القهر؟ هذه باختصار هى الأسئلة التى قامت عليها الدولة الحديثة، ولن يكون لدينا دول مستقرة قادرة على البقاء ما لم نجب عن هذه الأسئلة بطريقة صحيحة تلائم واقعنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.