في ظل عدم قدرة وزارة الصحة على التحكم في أسعار أكياس الدم في المستشفيات الخاصة، وقع المواطن البسيط ضحية لجشع المراكز الخاصة ببيع الدم، التي تحاول استغلال المتبرعين الفقراء، وبيع دمائهم بأعلى الأسعار للقادرين، في الوقت الذي يموت فيه غير القادرين لعدم توافر أكياس دم بالمستشفيات الحكومية. ازداد الوضع سوءًا، بعد فرض وزارة الصحة، التبرع الإجباري لأحد أقارب المرضى ممن لا تسمح ظروفهم بالعلاج على نفقتهم الخاصة، كشرط لازم لحجزه بالمستشفى. وبتبني المستشفيات الحكومية طرق تقليدية في تحليل الدم، أصبحت إمكانية انتشار فيروس "سي"، بين المرضى، المتوقفة حياته على نقطة دم، مرتفعة للغاية. سيدة ستينية يظهر على وجهها آثار الفقر والشقاء، جاءت من "البراجيل" شاكية من ألم في صدرها، ولا تقوى على التنفس.. تستنجد بمدير مركز الدم ب"قصر العيني"، ليمنحها موافقة على دخول المستشفى للعلاج، رغم عدم وجود متبرع معها. تقول "فاطمة علي": "أنا جيت من مشوار بعيد، وابني راح الجيش، وطلبوا مني متبرع علشان أتعالج من وجع صدري.. مش عايزة أروح البيت من غير ما أتعالج.. كل ما أروح لمكتب دكتور، يقوللي روحي المكتب التاني علشان تاخدي موافقة بالعلاج، لحد ما يأست"، لتظل تبحث في مكاتب المركز، علها تجد من يمنحها موافقة العلاج المجاني. "بعد ما أخدوا لتر دم مني، اكتشفوا إنه غير متوافق مع ابني، فجيت عشان أشوف حل.. مقدرش أشتري الدم من مستشفى خاصة لأني معاييش.. ليه ميدوروش على نفس فصيلة دم ابني، بدل الدم اللي خدوه مني عشان العملية؟".. كلمات أطلقتها سيدة في منتصف العقد الرابع من العمر، جاءت لمركز نقل الدم بمستشفى قصر العيني، بحثا عن بضعة لترات من الدم لابنها، المتوقفة حياته على إجراء عملية في القلب، تم تأجيلها بسبب عدم وجود فصيلة الدم المناسبة. "بنكتشف 10 حالات يوميا مصابة بفيروس "سي" من أصل 100 حالة من المتبرعين، فضلا عن وجود حالات نادرة مصابة ب"الإيدز"، بحسب الدكتور حسين عبد القادر، نائب مدير مركز نقل الدم بمستشفى قصر العيني.. "الدم في المستشفيات الحكومية التابعة للتعليم العالي أو لوزارة الصحة، لا يباع.. ما يباع هو تكلفة الكيس، المشتملة على الفحوصات والتحاليل التي نجريها على الدم لبيان صلاحيته، ما يؤدي إلى تراوح سعر كيس البلازما من 30 - 40 جنيها، وكرات الدم الحمراء من 150- 300 جنيه، وسعر الصفائح يصل إلى 300 جنيه، بينما يختلف السعر في مراكز نقل الدم، التابعة للمستشفيات الخاصة، ليصل إلى الضعف.. كيس الدم في المستشفيات الخاصة الكبيرة، بيوصل لألف جنيه، بحجة عمل فحوصات وتحاليل دقيقة". وأشار ل"الوطن" إلى وجود تقنيات مختلفة في عملية فحص أكياس الدم للمتبرعين، منها تقنية IMAGE التقليدية، المعمول بها في المستشفيات التعليمية، والتي لا تظهر الفيروس، بل تظهر الأجسام المضادة للفيروس فقط. وتابع "نظرا لارتفاع تكلفة تحليل BCR، الذي يساعد على اكتشاف الفيروس، والتي تصل إلى 350 جنيها على كيس الدم الواحد، فإنه لا يستخدم في المسشتفيات التابعة للحكومة، كما أن هناك طرق أخرى حديثة لاكتشاف الفيروس، لكنها غير مطبقة سوى في كبرى المستشفيات الخاصة. وأردف "التبرع نوعان.. الأول دون مقابل، وهو غير موجود، لذا أجبرت المستشفيات الحكومية كل مريض يعالج على نفقتها أن يصطحب أحد اقربه للتبرع، باستثناء حالات الطوارئ، كما أن وزارة الصحة لجأت إلى سيارات نقل الدم، حتى تسهل الأمر على المتبرع.. والنوع الأخر، يحصل فيه المتبرع على مقابل مادي، وهو منتشر في المستشفيات الخاصة، ما أدى لتفشي تجارة الدم بشكل كبير. وأضاف نائب مدير مركز الدم التابع لمستشفى قصر العيني، "صلاحية أكياس الدم 30 يوما فقط، وتعرضها للهواء يفسدها، وهناك نقص في كميات الدم.. هناك حالات نادرة تدهورت حالتها بسبب عدم توافر أكياس الدم". من جانبه، قال طبيب بمركز نقل الدم بالزقازيق - رفض ذكر اسمه - إن "أسعار اكياس الدم تختلف من مكان لآخر، رغم وجود أسعار محددة وضعتها وزارة الصحة، لصبح سعر كيس كرات الدم 110 جنيهات، وكيس البلازما 40 جنيها، كما تبيع مراكز الدم التابعة للتعليم العالي، أكياس الدم، بأسعار أغلى، تصل إلى 350 جنيها للكيس، كما توجد أماكن تحصل على الدم بالتبرع، مقابل إعطاء المتبرع "علب عصير"، وبعدها تبيع الدم بأعلى الأسعار. "تدني مستوى الأدوات العلمية المستخدمة في التحليل، يسهل إصابة العديد من المرضى بفيروس "سي"، بدلا من إنقاذ حياتهم، بحسب الطبيب، الذي كشف أن الفساد في الجهات الحكومية، وتدني المرتبات، يساعد على المتاجرة في أسعار اكياس الدم، وبيعها للمستشفيات الخاصة، بعد إجبار الفقراء على التبرع مقابل 100 جنيه، كما تلجأ المستشفيات الخاصة لتوزيع سماسرة، لجلب الفقراء، مقابل 50 جنيها للسمسار، ومثلها للمتبرع، لتبيعه بعدها بسعر مضاعف ثلاث مرات.