لا جدال فى أن لقاء رئيس الجمهورية مع وزير التربية والتعليم فى لقاء مطول استمر لمدة 5 ساعات، للاطلاع على المشروع القومى لتطوير التعليم قبل الجامعى فى خطة زمنية من 2014 إلى 2030، مع التزام الأطراف بتنفيذها بصفتهم وليس بشخصهم، فهى ليست مرتبطة بمن فى المنصب بل بالاتفاقيات المبرمة لتنفيذها - بعث الأمل فى وجود رؤية جديدة. وما أسعدنى أن العمل لم ينسب لأفراد عملوا عليه، بل كلف الوزير بلقبه بعرضه ومناقشته، وهذا فى حد ذاته تغيير للأفضل فى رأيى بدلاً من التطلع لأخذ دور أو طلب شهرة أو السعى وراء منصب. وهذا يدفعنى للكتابة اليوم عن الحوارات الدائرة وصراعات على صفحات التواصل والشاشات المرئية والإلكترونية للتشهير بأشخاص والتجميل للآخرين، لكى ننساق وننجرف كالمعتاد فى أمور فرعية ونترك القضية الأساسية: كيف نتعايش مختلفين فى مجتمع واحد ولا نعيش على خلاف؟ ألا تنظروا إلى عواصم العالم مثل سيدنى ولندن ودبى ومعظم مدن الولاياتالمتحدة، كم جنسية، ولغة، وديانة، ولون يتعايشون معًا بلا نزاعات ولا عداءات واضحة، مثل تعليق سخيف نسمعه الآن: «إنت طلعت منهم؟». من هم؟ بل من نحن؟ ألسنا جميعاً مصريين نعيش على أرض مصر، نعمل بها وأهلنا بها وأولادنا فى مدارسها ونأكل من أرضها ونسير على طرقاتها شمالاً وجنوباً؟ ألا يؤثر أى تعطيل فى أى خدمة حيوية على الجميع، أم ليس المهم الخدمة والانتهاء من أعمالنا وإتمام دراستنا؟ المهم البعض يعبر عن خلافه مع الطرف الآخر! والمضحك حقاً أن 70٪ أو أكثر من الشعب المصرى غير مدرك للخلاف أصلاً «على إيه»؟ ولكنه يدعو من قلبه، مقهوراً، متعطلاً عن عمله، بسبب بقعة زيت أو محبوساً «فى أسانسير» أو عطشان بسبب «توقف موتور المياه» أو منتظراً المترو «بعد تمشيط الرصيف بحثاً عن قنبلة» - على المتسبب، حتى لو كان جاره أو حتى قريبه. ذلك لأن المواطن المصرى البسيط تربى ونشأ فى الوادى بجوار النهر شاكراً لخيراته، متمتعاً بخصوبة أرضه، مدعوكاً بفيضانه، وملماً بأزماته، وهذا ما يجهله معظم الفكر الصحراوى المقبل لضرب الهوية المصرية. كم من أزمة مرت بها مصر، وتحمل المصريون من أجل أن تعبر البلاد ويعيش الناس فى «حمد وشكر من عند ربنا»! هل ما نعيشه الآن أسوأ من التهجير، أم أيام الاستنزاف، وشكائر الأسمنت على مداخل العمارات، والنوافذ الداكنة، وصافرات الإنذار؟ من لم يعش تلك الفترة فليسأل أبويه، أو أحد أقاربه، أو حتى يشاهد أفلاماً واقعية أو وثائقية. ومن يريد إثارة الشعب وإشعال الفتنة لظروف حياتية صعبة، هو أبعد ما يكون عن فهم الشعب المصرى. هذا شعب لا يثور من ظلام ولكن من ظالم.. والفرق كبير. ولقد فهم الشعب بفطنته الطبيعية ما يدار حوله، ومن يقوده ومن يتآمر عليه. وهو لا يشعر أنه تحت ظلم وقهر، بل يدرك أنه ضحية لمتآمرين مخربين يلعبون فى محطة أو مولد أو طريق. ويعلم أن الإدارة الحالية تتعامل مع ظرف جديد وهو: الشك فى الكوادر المحيطة بهم، وليس الشك فى انتمائهم الدينى أو الحزبى أو الفكرى، بل الشك فى ولائهم للوطن وأمنه وحماية مصالح أفراده. فكم اختلفت معتقداتنا من قديم الزمن، وتنوعت حضارتنا من فرعونية، ويونانية، للقبطية، وانتهاءً بالحضارة الإسلامية! ولم يذكر أن فى واحدة منها تقاتلاً وتناحراً إلا مع العدو أو المستعمر، وإلا فكيف عاش أقباط مصر فى الفتوحات الإسلامية؟ وعندما بنى الأزهر الشريف لم يسجل التاريخ أى معركة أو فتنة أثناء بنائه! فالعدو الحالى هو أسوأ عدو فى رأيى؛ إن من يطعنك يتعامل معك، إنه منك وإليك. يأخذ راتبه من الحكومة «ويقولك باتبرع بيه»، ويبيع مصلحة المواطن وأكل عيشه تحت اسم المواطن نفسه لا يعلمه: «الزخم الثورى، الحراك التفاعلى، الشحن الشعبى»! (لا والله، هو يعرف زحمة المرور، وشحن الموبايل)، مقابل آلاف من الجنيهات وامتيازات بالكفالة له ولأسرته (كفالة دى للأيتام، يعنى هم ضحوا بالمخرب مسبقاً!). وفى رأيى أن ما يحيط بنا من أحداث إقليمية يجعلنا نحمد الله أن عندنا سقفاً وبيتاً ومنتجات تموينية تباع حتى وإن كانت مرتفعة السعر، والدليل أن المواطن غير مدرك لحديث الشاشات أنه ما زال مقبلاً على الحياة بإصرار حتى فى النصف الثانى من عام 2013، فلقد زاد عدد المواليد فى الستة أشهر الماضية مليون نسمة! فالأغلبية من المصريين لا يعرفون وطناً آخر غير مصر (أكثر من 39 مليوناً لم يغادروا مصر ولو مرة)، والأكثرية قرار الهجرة عندها غير متاح لارتباطهم بعمل وعائلة وموارد مستقرة للدخل، أما الأقلية (من هم يغردون على الأزرار).. استمروا وغردوا خارج السرب. فمصر أيضاً مستمرة ومغردة خارج السرب. وللحديث بقية.