أمام هذه الأمواج المتلاطمة، وحول هذا البحر الهادر، وفوق هذا الشاطئ برماله الذهبية، تحرك الجنين فى أحشائها، ضرب بقدميه الدقيقتين جدران رحمها، لمس بيديه الصغيرتين أعتاب بيته الجديد الذى يعلم أنه سيغادره فى بضعة أشهر ليرى ويحيا وسط هذه الحياة المتناحرة. نظرت خلفها -بحقدٍ دفين- لجموع البشر المتلاحقة التى لا تراها، والتى لم ترها من قبل حتى عندما وقفت فى ذات المكان من عامين.. عارية!! عمى أصاب الجميع، الكل ضرير لا يراها ولا يريد أن يراها، فهى بالنسبة إليهم ليست إلا جسدا استباحته الأقدار فتلقفته الرجال على أسنة الرماح حتى نال الكل بُغيته دون أن يُكلف أيهم نفسه مشقة إلقائها فى أقرب صندوق قمامة. وهل يُلوث الرجل الشريف يديه.. فضلاً عن سمعته.. بعاهرة!! كثيراً ما سمعت هذا اللفظ وهى دون السادسة عشرة.. من أبيها.. وأمها وأخيها.. وكل رجل فى الحرام كان يؤويها.. وذهنها الصغير لا ينفك يسأل بإصرارٍ وإلحاح طفولى.. طالما أنها عاهرة.. كيف يستخدمها الرجال.. كيف يرضون بذلك.. كيف يتلقف والدها الجنيهات والدراهم والدولارات فى صُررٍ مملوءة على آخرها.. وأمها ضاحكة.. وأخوها فاغرا فاه سعيدا؟ باع الكل جسدها فى سوق النخاسة.. قبضوا جميعاً ثمنه.. قبض البائع أموالاً ونعيماً.. وقبض المشترى متعةً وحراماً.. وهى.. قبضت.. فى النهاية.. طلاقاً.. وجنيناً!! بلغ جنينها فى رحمها شهره الرابع، وبلغت -هى- عامها الثامن عشر.. بعد عامين من الزواج اليومى.. فقررت أن تقف عند هذا الحد.. وأن تحرم أهلها وذويها من تلال المال المتساقط من جسدها.. وأن تحرم وليدها من نار دنياها. استقبلا البحر بوجهيهما.. تنفست ملء صدرها.. ضحكت مستهزئة.. ثم.. قفزا سوياً.