لعلنا صُدمنا جميعاً بالكلمة التى ألقاها أحد الدعاة وانتشرت بسرعة هائلة على مواقع الإنترنت، والتى يصرح فيها بأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كانت له قوة جنسية تعادل 4000 رجل، وهى كلمة تخرج عن اللياقة، بل تصل إلى درجة الجلافة الدعوية وتسىء أيما إساءة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ تظهره وكأنه ماكينة جنسية ضخمة، وأنه يدور على نسائه فى ساعة من نهار ويأتيهن جميعاً. ولقد سمعت كلمة هذا الداعية ورأيته يجرى عملية حسابية ركيكة وبدائية وتعسفية من خلال بعض النصوص المتفرقة وربما الضعيفة ليصل إلى هذه النتيجة وهو يشعر بالفخر أن نسب للرسول هذه القدرة الجنسية الهائلة، وهو لا يدرى أن أعداء الرسول لو اجتمعوا ما استطاعوا أن يسيئوا إليه كما فعل هو. وهذا يذكرنا بفتاوى رضاع الكبير والتداوى ببول الإبل، وأذكر أننى قرأت مذكرات الدكتور مصطفى محمود حين كنت صغيراً وعرفت أنه دخل فى الإلحاد عدة سنوات بسبب كلمات خرافية سمعها من إمام مسجد هزت ثقته بالدين تماماً ودخل فى رحلة شك حتى هداه الله مرة أخرى. وكم من الشباب قد يستقبل هذا الرأى الصادم فيفقد ثقته بالدين ورموزه؛ إذ كيف يتلقى رسالة من شخص يحمل كل هذه الطاقة الجنسية الجبارة التى حتما ستجعله مشغولاً بها وبتصريفها، ولم يكن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كذلك ولكن خيال دعاة الجزء الأسفل من الجسم هو الذى يجعلهم فى حالة هوس جنسى فيسقطونه على رموز الدين. وبمناسبة هذه الكلمة النكراء، نذكر أنواعاً من الخطاب الدينى تسهم بقوة فى تنامى ظاهرة الإلحاد التى تفشت بين الشباب هذه الأيام: 1- الخلط بين الأصول والفروع وبين الثوابت والمتغيرات، وهذا يجعل بعض الفروع والمتغيرات تبدو كأصول وثوابت ربما يصعب على بعض الناس قبولها أو هضمها بسبب بعض التناقضات أو الإشكاليات العقلية فيكفرون بمجمل الدين. 2- التجزىء والتفكيك للدين، بما يجعله قضايا منفصلة بعيدة عن الجوهر الكلى للدين، وحين يتناول العقل هذه الأجزاء المفككة لا يستطيع قبولها بسهولة، خاصة إذا كان عقلاً نقدياً يتصيد الثغرات أو يفترضها بقوة ويريد إثبات وجودها نظراً لدوافع ذاتية. 3- السلطوية والتسلطية. 4- التوجه الصراعى الاستقطابى الاستعلائى العنصرى والبعيد عن النزعة التراحمية الإنسانية العالمية. 5- تقييد حرية العقل وحرية الإنسان بأكثر مما يتطلبه الدين فى جوهره (اتساع دائرتى الحلال والحرام على حساب دائرة المباح)؛ ففى الدين الصحيح تتسع دائرة المباح لتمنح العقل مساحة للتفكر والتدبر والإبداع، أما فى الدين المختزل فتضيق جداً هذه المساحة حتى لتخنق العقل. 6- فرط تديين الحياة البشرية، مما يتيح سلطة استبدادية للقيادات والرموز الدينية لا يستطيع طالبو الحرية من الشباب المتمرد الخلاص منها إلا بالخلاص من الدين نفسه، من وجهة نظرهم. 7- الخطاب الترهيبى لدرجة التنفير، أو الترغيبى الطفولى. 8- كثرة الدوجماتيات (المطلقات المغلقة التى لا تقبل التفسير أو المناقشة أو التعديل). 9- كثرة المفاهيم الخرافية. 10- تعدد وتناقض الخطاب الموجَّه من الجماعات والمجموعات الدينية المتصارعة على الساحة. 11- تسييس الخطاب الدينى بما يجعله يفقد نقاءه وصفاءه وتجرده وروحانياته. وليس فقط الخطاب الدينى النظرى، بل إن تطبيقاته فى تجربة الإسلام السياسى فى السنوات الأخيرة حفلت بالكثير من الأخطاء، ويربط البعض بين صعود وهبوط تيار الإسلام السياسى إبّان ثورات الربيع العربى وما بعدها وبين تنامى ظاهرة الإلحاد؛ فقد كان ثمة بريق لفكرة المشروع الإسلامى للنهضة وقدرة وجدارة الجماعات الإسلامية على التغيير فى مجتمعاتها بما يحقق العدل والإنصاف ويحارب الفساد ويحقق الازدهار تحت راية الإسلام، وقد أدى هذا إلى حماس الشباب فى الثورات واندفاعهم بقوة لتحقيق حلم النهضة بمرجعية إسلامية طالما حلموا بها، لكن فشل مجموعات الإسلام السياسى (أو إفشالها) أدى إلى رد فعل عكسى نتج عنه تنامى ظاهرة الإلحاد، خاصة بين الشباب (الذى كان متديناً)؛ حيث اتضح عدم نضج التجربة السياسية للأحزاب والجماعات الإسلامية وسقطت رموز مهمة فى أعين الشباب، وحدثت حالة من التمرد على قيادات وأفكار وممارسات تلك الجماعات من بعض الشباب المنتمين إليها أو المتعاطفين معها، بينما بدا لفئة أخرى من الشباب أن الإسلام نفسه عاجز عن أداء الدور السياسى فانفلتوا منه. وقد كانت هناك نصائح من العقلاء الحريصين على الإسلام وعلى الشباب أن تتمهل الأحزاب الإسلامية فى توغلها السياسى وأن ترضى بالمشاركة دون المغالبة وأن تعطى فرصة لإنضاج التجربة السياسية لدى هذه الأحزاب على مهل، لكن قيادات هذه الأحزاب والجماعات اندفعوا بلا حساب نحو اغتنام السلطة والتمكين فحدث ما حدث، وهنا تجددت الدعوات المخلصة للفصل بين الدعوة والسياسة؛ لأن فى هذه الحالة سيسلم الدين من التوظيف ومن الاستغلال؛ إذ إن توظيف الإسلام فى العمل السياسى واستغلاله للصعود فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية ثم عدم قدرته على الاستمرار (سواء لأسباب ذاتية أو خارجية) أعطت إيحاءً لبعض الشباب بأن المشروع الإسلامى فشل وانسحب ذلك فى وعيهم على الإسلام ذاته.