وصل الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى القاهرة، أمس، بعد زيارته لروسيا الاتحادية التى امتدت ليومين، عقد خلالها مباحثات ثنائية مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بمنتجع سوتشى، لتدعيم العلاقات الثنائية بين البلدين فى شتى المجالات. وقال بيان صادر عن رئاسة الجمهورية إن المباحثات استعرضت مجمل الأوضاع الإقليمية فى منطقة الشرق الأوسط، وفى مقدمتها قطاع غزة، فضلاً عن ليبيا، وذلك اتصالاً بالتداعيات السلبية لتردى الأوضاع السياسية والأمنية على الحدود الغربية المصرية، إلى جانب الأوضاع فى العراق، وضرورة الحفاظ على وحدته الإقليمية، وكذا الأزمة السورية، وأهمية التوصل إلى تسوية تحفظ وحدتها الإقليمية وتصون أرواح مواطنيها. وقال السفير إيهاب بدوى، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، إن مكافحة الإرهاب كانت من الموضوعات ذات الأولوية على جدول أعمال جلسة المباحثات الثنائية، حيث توافقت الرؤى حول أهمية تضافر الجهود، وتكثيف التعاون فى كافة المجالات ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، واتفق الجانبان حول أهمية قيام المجتمع الدولى بجهد جماعى لدحر الإرهاب والقضاء عليه. وأوضح أن الزعيمين ناقشا أيضاً أطر تنمية العلاقات بين الجانبين فى كافة المجالات، وتم إطلاع الجانب الروسى على التطورات السياسية والاقتصادية فى مصر، خاصة ما يتعلق بالشقين الاقتصادى والاستثمارى، حيث نوّه الرئيس السيسى إلى الحزمة التشريعية الجديدة التى تعكف مصر على صياغتها لتحسين مناخ الاستثمار، وجذب الاستثمارات الأجنبية، ومن بينها بطبيعة الحال الاستثمارات الروسية، التى سيكون مُرحباً بها فى مصر، فضلاً عن تطوير التعاون فى المجال السياحى، بالنظر إلى كون روسيا من أكبر الدول المصدرة للسياحة إلى مصر، وكذا التعاون فى مجال الطاقة، والمجالات الثقافية والعلمية والتكنولوجية. وعقب انتهاء مأدبة الغداء التى عقدها الرئيس الروسى ل«السيسى» والوفد المرافق له، عقد الزعيمان مؤتمراً صحفياً، أعرب فيه الرئيس عن خالص شكره وامتنانه لنظيره الروسى لحسن وحفاوة الاستقبال فى منتجع «سوتشى»، مشيراً إلى أن أجندة المباحثات بين الجانبين كانت موسعة ومتنوعة، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية، سواء بالنسبة للخطوات الحالية نحو تحرير التجارة مع التجمع الأوراسى، أو لإقامة المنطقة الصناعية الروسية فى مصر. وأوضح الرئيس عبدالفتاح السيسى أن الموضوعات الإقليمية والدولية كان لها نصيب كبير فى محادثاته مع الرئيس فلاديمير بوتين، وناقش معه تطورات الأزمة فى غزة، وكذلك الأوضاع فى كل من ليبيا والعراقوسوريا، كما تبين من المحادثات الروسية المصرية، التى وصفها «بوتين» بأنها «بناءة وودية جداً»، أن مصر مستعدة لسد حوالى نصف حاجة روسيا من منتجات زراعية حظرت حكومتها استيرادها من دول تشارك فى حظر تجارى عليها. وقال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى المؤتمر الصحفى المشترك مع «السيسى» إن «روسيا ستصدر من 5 إلى 5.5 مليون طن من القمح، على الأقل، إلى مصر هذا العام» موضحاً أن روسيا تسد نحو 40% من حاجة مصر من الحبوب». وبدورها تصدر مصر المزيد من المنتجات الزراعية، وبالأخص «البطاطس والخضار والفاكهة»، إلى روسيا، وأضاف بوتين أن «مصر زادت صادراتها من هذه المنتجات إلى سوقنا بنسبة 30%، ومستعدة لزيادتها بنسبة 30% أيضاً فى أقرب وقت». كما تناولت المحادثات «الروسية المصرية» زيادة التعاون المشترك فى المجالات الأخرى أيضاً، خاصة فى مجال استكشاف الفضاء، على غرار ما تم أثناء حمل صاروخ روسى قمراً صناعياً مصرياً للاستشعار عن بُعد إلى مدار فى الفضاء فى أبريل الماضى، ويشهد التعاون العسكرى الفنى أيضاً تطوراً فى المحادثات، حيث ذكر «بوتين» أنه «تم فى مارس الماضى توقيع البروتوكول المناسب، ويجرى توريد أسلحتنا لمصر واتفقنا على زيادة هذا التعاون». من جانبها، ذكرت صحيفة «إزفيستيا» الروسية فى عددها الصادر أمس، تحت عنوان: «مصر تساعد روسيا على تعويض نقص المنتجات الزراعية» أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أبلغ نظيره الروسى فلاديمير بوتين استعداد مصر لزيادة صادراتها من المنتجات الزراعية إلى روسيا بنسبة 30%. وأشارت «إزفيستيا» إلى أنه أثناء المباحثات الرسمية، بحث الرئيسان التعاون فى المجال العسكرى التقنى، وتحديث المشروعات التى شيدها الاتحاد السوفيتى فى مصر، بجانب الوضع فى سوريا وليبيا والعراق وقطاع غزة. وأضافت: «بحث الرئيسان أيضاً إمكانية إنشاء مركز لوجستى مصرى على البحر الأسود ومركز آخر فى مصر»، ونقلت عن «بوتين» قوله: «إنه سيعطى الأوامر للجهات الروسية المعنية لتبسيط وتسهيل دخول المنتجات الزراعية المصرية إلى السوق الروسية». يذكر أن «السيسى» تفقد عدداً من المعدات والتقنيات العسكرية داخل ساحة مطار «سوتشى» عقب وصوله، الثلاثاء الماضى، ثم توجه إلى مجمع «لأورا» لمنافسات التزحلق على الجليد والبياتلون بمبنى استاد البياتلون، حيث كان فى استقباله الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذى اصطحبه فى جولة بالمجمع، شاهد خلالها الرئيسان تمرين رماية بالذخيرة الحية لفريق الرماية القومى الروسى، فضلاً عن تفقدهما لبعض الملاعب بالمجمع. وأجرى الرئيسان عقب ذلك زيارة قصيرة إلى منطقة «روزا خوتر» السياحية، تناولا خلالها منفردين «الشاى» فى أحد المقاهى، قبل التوجه بالمروحية إلى قصر «بوتشاروف روتشييه» مقر إقامة الرئيس الروسى، حيث عقد الرئيسان جلسة مباحثات ثنائية، تلتها مباحثات موسعة على مأدبة غداء. وتوجه «بوتين» و«السيسى» عقب ذلك إلى مرسى الفرقاطة بموسكو، التابع لأسطول البحر الأسود الروسى، حيث أجريت مراسم الاستقبال الرسمية، ثم توجها إلى منطقة الحديقة الأولمبية، لمشاهدة عرض على الجليد للفنان الروسى «إيليا أفيربوخ» بعنوان: «أضواء المدينة الكبرى» باستاد «أيسبرج»، تلاه عشاء خاص أقامه الرئيس الروسى ل«السيسى» بأحد المطاعم. من جانبه، قال السيد أمين شلبى، المدير التنفيذى للمجلس المصرى للشئون الخارجية، ل«الوطن»: «إن زيارة الرئيس السيسى لروسيا امتداد لجهوده كوزير دفاع»، مشيراً إلى زيارته السابقة، التى التقى فيها «بوتين». وأضاف: «الزيارة الأولى فتحت آفاقاً جديدة لاستئناف العلاقات التاريخية بين موسكووالقاهرة، والزيارة الحالية بالتأكيد ستؤتى ثمارها فى تطوير العلاقات بين البلدين واستمرارها». وعن المجالات الأخرى التى يمكن للقاهرة وموسكو التعاون من أجل تطويرها، لفت إلى «الطفرة» التى يمكن أن تحققها مساهمة روسيا فى مجال الطاقة بمصر. وفى السياق ذاته، قال محمد الشاذلى، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، إن أهمية الزيارة فى هذا التوقيت، نابعة من أنها «فرصة» لاستعادة الشراكة الاستراتيجية والاقتصادية بين البلدين، مؤكداً ضرورة أن تقيم مصر علاقات متوازنة وممتدة مع الدول الكبرى، والتى تعد روسيا إحداها، مشيراً إلى مكانة روسيا الاقتصادية فى العالم، ووجودها المؤثر على الساحة السياسية الدولية، كعضو فاعل فى مجلس الأمن. وبالإشارة إلى ما وصفه ب«الضغوط الدولية» المفروضة على كل من مصر، وروسيا، خاصة بعد الأزمة الأوكرانية، التى فرض الاتحاد الأوروبى على أثرها عقوبات على موسكو، أكد «الشاذلى» ضرورة أن يستغل البلدان هذه الفرصة، للاتحاد وفتح مجالات جديدة للتعاون.