هنا معبر رأس جدير، مظلة وكراسى وخلية نحل تعمل لتوزيع وجبات جافة أرسلتها القوات المسلحة ليقتات بها المصريون العالقون على الحدود الليبية التونسية هرباً من جحيم الاشتباكات فى ليبيا. «بعضهم بقى فى المعبر الليبى 4 أيام أو 5، وبعضهم كانت ظروفه أحسن، فمر بعد يوم أو اثنين»، هكذا قال الموظف المصرى المسئول عن توزيع وجبات الطعام وزجاجات المياه على المصريين العالقين، وتركنا ليكمل عمله. وقال حسن جمعة، الموظف القنصلى بالسفارة المصرية بطرابلس، التى انتقل كل أفرادها إلى معبر رأس جدير لتسهيل نقل المصريين وتقديم كافة الخدمات لهم، إن «أعداد الموجودين الآن أصبحت قليلة للغاية بعدما نقلنا صباح أمس 2000 مصرى، وهم الآن لا يتعدون ال50 فرداً، سيتم نقلهم». داخل المعبر التونسى شددت السلطات التونسية من إجراءاتها الأمنية على المعبر وعلى طول الطريق إليه بلجان وكمائن للجيش والشرطة بلغت حوالى 4 أكمنة فى مسافة 27 كيلو تقريباً. قال مسئول مصرى على المنفذ التونسى، طلب عدم ذكر اسمه: «عندهم فى تونس مشاكل أمنية جمة، ويدققون خوفاً من عبور أى من العناصر الإرهابية المتطرفة، ولذا نعذرهم فى التدقيق الأمنى على البوابات الحدودية، فهذا حقهم». وأوضح أن المخاوف التونسية من تسلل عناصر متطرفة سواء ليبية أو من أى جنسية أخرى، لم تمنعهم من السماح بعبور أى مصرى لأى سبب وقدموا تسهيلات كبيرة لمصر. داخل المعبر الحدودى، جاءت سماح عبدالحميد تستند على ابنها إبراهيم، البالغ من العمر 16 عاماً، وتقول ل«الوطن»: جئت بأولادى وتركتنا زوجى هناك بعدما أصبحت الأمور شديدة الخطورة. وأضافت: «عندى بنتين وولد، وكنا نعيش فى سبراطة، الاشتباكات كانت بعيدة عنا، لكنها تقترب أكثر، بصراحة خفت على البنات حد يعمل فيهم حاجة، ولا يصابوا بأى مكروه، قلت أرجع بلدى أحميهم فيها، رغم أنى أعيش فى ليبيا منذ 20 عاماً». بطريقة لا إرادية احتضنت ولدها الوحيد وأكملت: «قلت لزوجى سأعود نهائياً، كفانى اللى شفته فى ليبيا، هو بقى وحده هناك، لأن كل ما نملك هناك ومش فلوس وبس، فيه حاجات مش هنعرف نبيعها فبقى هو، وقال لى: إحنا لو رجعنا من غير تحويشة العمر يبقى عملنا إيه؟! نقعد هنا ونموت أحسن لنا». وأضافت: «دول عشرين سنة راحوا من عمرنا، شفنا فيهم المرار، كفاية إنى أولد وأنا وحدى مفيش حد معايا، كنا غرباء وعشنا غرباء، بس نفسى ما اموتش غريبة، وأولادى يعيشوا مع أهلهم». وعن الرحلة قالت: «بصراحة هى كانت سهلة، خرجنا الصبح ووصلت المعبر، فى البداية رفضوا يعدونى، وطلبوا منى 500 دينار علشان أعبر، لكن كان فيه واحد معرفة ليبى توسط لنا وعبرنا، بس المشاهد اللى شفتها فى المعبر كانت صعبة جداً، المصريين هناك حالتهم تصعب على الكافر». السيد رسلان، ابن ال20 سنة، أسند رأسه على السور الحديدى، وصمت قليلاً، ثم قال: «4 أيام من العذاب الرسمى فى المعبر بلا أكل ولا شرب ولا فلوس، أنا جاى من الواية بالملابس اللى علىّ فقط، أخدوا كل شىء، ما فضلش غيرى أنا وملابسى دى، وفى المعبر شفت الموت بعينى، لدرجة إنى أغمى علىّ وفُقت وهما بيضربونى بالعصى والخراطيم كانوا فاكرين إنى بأمثّل». صمت لحظات يحبس فيها صوته المتهدج ويمنع دمعه من السقوط: «ليبيا دى ما عارفين لها حكومة من ثوار من إخوان، كله بيضرب فى كله واحنا فى النص، مصراتة وعشائرها عايزة تاخد المطار من الزاوية، والزاوية بتضرب فى ورشانة، والهجمات بين الجميع، ومش ممكن تعرف هوّ الضرب جاى منين وعلى فين». عبدالعزيز السعيد، ابن مدينة كفر الشيخ، وجّه رسالتين للحكومة المصرية، الأولى قال فيها: أنقذوا المصريين العالقين فى ليبيا، لأن أوضاعهم سيئة جداً»، والثانية للشباب وقال فيها: «بلاش تروحوا على ليبيا اليومين دول، الحرب هناك صعبة جداً، أنا هناك من 4 أشهر، ذهبت لأعمل جزاراً فى منطقة بجوار طرابلس، وأول شهر ما كنش فيه مشاكل كبيرة كان ممكن نحتمل، لكن بعد كده بقت فوضى، المشى فى الشارع خطر، وذهابنا لأشغالنا لازم يكون بمعرفة سائقين موثوق فيهم وإلا تتخطف وتتسرق، وفى الأيام الأخيرة البقاء فى المنازل نفسها بقى خطر، علشان كده خرجت ومفيش معايا ولا مليم، وخسرت كل اللى حوّشته هناك، خلاص يعوّض علينا ربنا، هرجع بلدى فى كفر الشيخ، وهشتغل هناك، ومش هخرج منها تانى حتى لو لم أجد لقمة العيش، أنا لى خمسة أيام فى المعبر الليبى اتعذبت واتبهدلت من سوء المعاملة، والليبيين ماتعاملوش معايا كويس إلا لما دخل لنا مسئولين من السفارة المصرية». من جانبه، قال السفير محمد أبوبكر، سفير مصر بليبيا، والذى انتقل وطاقم سفارته بالكامل إلى معبر رأس جدير للتواصل مع الجانب الليبى لتسهيل عبور المصريين: «نُجرى اتصالات مكثفة مع الجانب الليبى من أجل رعاية وحماية المصريين، فى البداية كانت هناك لخبطة، وكان كل طرف يسعى لتوفيق أوضاعه منفرداً، والسلطات الليبية كان يهمها حل المشكلة على أراضيها، والسلطات التونسية كانت هى الأخرى عندها هواجس أمنية، لها كامل الحق فيها، ونحن نريد إجلاء رعايانا، لذلك أول طائرة فى الجسر الجوى بقيت فى المطار 19 ساعة كاملة، حتى انتهت الإجراءات، ولكن بعد ذلك تم تنسيق كامل مع كل الجهات، والآن ننقل حوالى 1700 مصرى يومياً، هم الطاقة الاستيعابية للجسر، ونعمل على ألا تزيد مدة البقاء فى المعبر التونسى على يوم واحد وهو الواقع الآن. وأضاف أبوبكر بقوله: فيما يتعلق بالجانب الليبى من المعبر نتصل بشكل متواصل لحسن معاملة المصريين، وفى الحقيقة هناك يقدمون لنا كل ما يستطيعون تقديمه، لكننا نتفهم طبيعة المشكلات الموجودة على الأرض، فيما يتعلق بالطرق، والمشكلات الأمنية.