كنت قد عزمت أن أتوقف عن التعليق عما جرى فى لقاء الرئيس مع مجموعة الوزراء والمحافظين لبحث موضوع استصلاح واستزراع 4 ملايين فدان فى جنوب مصر وإحياء مشروع توشكى، انتظاراً لعقد اللقاء الثانى بعد المهلة التى منحها الرئيس لأعضاء الحكومة لمراجعة ما تم عرضه عليه فى اللقاء الأول، الذى كان قد انتهى بعدم اتخاذ القرار بالبدء فى تنفيذ المشروع بسبب عدم توفيق الوزراء المشاركين فى العرض أمام الرئيس، ومن ثم لم يكن اللقاء مرضياً للرئيس كما كان مخيباً لتوقعات المواطنين الذين تابعوا البث التليفزيونى للقاء. ولكن وقبل أن يحين موعد اللقاء الثانى الذى كان مقدراً له الأحد 3 أغسطس، فاجأنا كل من وزير الزراعة ووزير الرى والموارد المائية، وكانا حاضرين اللقاء مع الرئيس، بتصريحات صادمة حول مشروع توشكى وكأنهما يغردان منعزلين عن باقى السرب من أعضاء الحكومة. وكانت الصدمة الأولى ما نشرته صحيفة «الوطن» يوم 25 يوليو من تصريحات منسوبة إلى وزير الزراعة خلال لقائه عدداً من المستثمرين السعوديين فى توشكى، أن الأجهزة الإدارية للدولة ووزارة الرى مسئولة عن وضع المعوقات أمام الشركات العاملة فى المشروع، وقال الوزير: «إن بطء الإجراءات الإدارية، إضافة إلى التأخر فى إنجاز بعض الأعمال الخاصة بتوصيل مياه الرى واستكمال السحَّارات، هما السبب فى إعاقة الاستثمارات فى المنطقة [فى إشارة إلى توشكى]». وبصرف النظر عن وقع تلك التصريحات على المستثمرين الذين يحق لهم مقاضاة الدولة والمطالبة بتعويضات اعتماداً على أقواله، فإنه مما يثير العجب أن الوزير لم يعرض تلك الحقائق أثناء لقاء الرئيس، وكان فى مقدور وزير الرى فى تلك الحالة الرد وبيان وجهة نظر وزارته فى هذه الاتهامات. وأتساءل: لماذا أسرف الوزير فى الحديث عن مزايا استصلاح واستزراع 108 آلاف فدان التى عرفت إعلامياً ب«إحياء مشروع توشكى» متجنباً الخوض فى التفاصيل على حد قوله، حتى إن الرئيس استوقفه ومنعه من الاسترسال فى العموميات بقوله: «أنا أريد الخوض فى التفاصيل»؟ ولماذا لم ينتهز الوزير الفرصة ليفسر أسباب اتهامه لوزارة الرى وغيرها من أجهزة الدولة بتعطيل المشروع؟ وثمة تساؤل آخر: هل ذلك التعطيل هو وليد الساعة أم يمثل تاريخاً من الإهمال أو هو نوع من «الفساد» الذى دام منذ 17 عاماً حتى الآن؟ وكانت الصدمة الثانية ما نشرته صحيفة «الأهرام» يوم 31 يوليو وقبل اللقاء الثانى المرتقب مع الرئيس، أن وزير الرى قد «كشف عن بدء تنفيذ عدد من المشروعات القومية بعد إجازات العيد مباشرة فى استصلاح مساحة مليون فدان، وذلك كمرحلة أولى من برنامج التنمية الزراعية الذى تعتمده الدولة، والذى يستهدف استصلاح أربعة ملايين فدان، مشيراً إلى أن المليون فدان المستهدف استصلاحها تضم مائة وثمانية آلاف فدان فى منطقة توشكى، فضلاً عن أكثر من 800 ألف فدان فى مناطق الفرافرة الجديدة والقديمة وامتداد واحة الداخلة وجنوب منخفض القطارة وغرب المنيا وشرق سيوة»، مؤكداً أن «الوزارة أعدت تصوراً متكاملاً عن سبل الرى التى ستتم من خلال الاعتماد على المياه الجوفية وباتباع أساليب الرى العلمية الحديثة لتوفير المياه، آخذاً فى الاعتبار أن المساحة الخاصة بمشروع توشكى سيتم ريها سطحياً من الترع المخصصة»، ثم عاد وزير الرى فكرر نشر تصريحاته فى اليوم التالى الجمعة 1 أغسطس، مضيفاً أن الرئيس سيعقد اجتماعاً مع الوزراء خلال أيام بخصوص موضوع استصلاح الأربعة ملايين فدان، وأن تقريراً أعد عقب زيارة رئيس الوزراء لمنطقة توشكى وجاهز للعرض على الرئيس، أى أن القرار لم يتم اتخاذه بعد بالبدء بتنفيذه، فكيف لوزير الرى توريط الدولة بمشروع لم تثبت جدواه بعد ولا حدِّدت مصادر وأساليب تمويله أو الأطر القانونية لإدارته والتعامل مع المستثمرين فيه أو المستفيدين من الشباب؟! تلك التصريحات جاءت مستفزة ومتجاهلة تماماً ما حدده الرئيس من أن مشروع توشكى وغيره من مشروعات التنمية القومية لا تنفرد به «الوزارة المختصة»، بل تكون تلك المشروعات جهداً قومياً تشارك فيه كل الوزارات ومؤسسات الدولة «ذات العلاقة». من جانب آخر، أين ما دعا إليه الرئيس من ضرورة أن يشاركه الشعب فى تحمل المسئولية من التغافل الرسمى عن إطلاع الناس على الحقائق بخصوص مشروع توشكى وغيره؟ وكيف سيتم تبرير إنفاق عدة مليارات جديدة على هذا المشروع؟ ما الضمانة أن مصير توشكى 2 لن يكون كمصير سابقه؟ ويطالب الناس وأنا معهم بضرورة طرح هذا المشروع وغيره لحوار مجتمعى جاد وشفاف يرعاه الرئيس، لوضع الأمور فى نصابها والبحث عن أفكار بناءة وإجابات واضحة وحاسمة للأسئلة التى طرحها الرئيس على السادة الوزراء والتى لم يجد لها إجابة. وختاماً، أعود فأكرر ما جاء فى نهاية مقال الأسبوع الماضى من أهمية الاستفادة من الدراسات والجهود السابقة وتفعيل ما كانت وزارة التخطيط قد اقترحته فى «الإطار الاستراتيجى لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية حتى عام 2022»، من ضرورة إنشاء جهاز مستقل يطلق عليه «الجهاز القومى للمشروعات الكبرى» يضم مختلف التخصصات، تكون مهمته إدارة المشروعات القومية على أسس علمية وإدارية متقدمة، وإخراجها من سيطرة البيروقراطية الحكومية التى أدت إلى فشل كثير من تلك المشرعات، مثل فحم المغارة وفوسفات أبوطرطور وأخيراً توشكى، وما خفى كان أعظم. وبالمناسبة لماذا اختفى موقع «رؤية المستقبلWWW.SISI2014.COM» من شبكة الإنترنت؟ ولك الله يا مصر!