كان بث لقاء الرئيس السيسى مع رئيس الوزراء ومجموعة من الوزراء والمحافظين لمناقشة مشروع استصلاح 4 ملايين فدان، تأكيداً لدعوة الرئيس لكل المصريين للمشاركة فى تحديد مستقبل الوطن، وأمراً لازماً لتمكين المواطنين من متابعة مناقشات كانت، فى جانب كبير منها، تتعلق بمشروع يهم كل المصريين، وهو طلب الرئيس من الحكومة «إحياء مشروع توشكى»! إن ذاكرة المصريين لا تزال تعى ما أُطلق على ذلك المشروع وقت نظام مبارك من أنه أحد «المشروعات القومية العملاقة» برغم ما أثير ضده من معارضة لأسباب فنية ولاعتبارات التكلفة العالية وضرورة رفع المياه من بحيرة السد إلى ارتفاعات كبيرة. وقد استمر الإنفاق على المشروع حتى تعدى 6 مليارات من الجنيهات، بينما يقدّر وزير الرى الحالى أن الاستثمارات التى تحمّلتها الدولة وصلت إلى 7 مليارات جنيه! ثم توقف المشروع وتضاءلت الآمال التى عُقدت عليه وتعثرت الشركات القائمة بعمليات الإنتاج الزراعى ولم تتحقق أحلام تصدير المنتجات الزراعية المنتجة فى توشكى إلى أوروبا كما أعلن ذلك الرئيس الأسبق مبارك فى إحدى زياراته لموقع المشروع وتم تصويره يومها وهو يقف فى حقل كثيف للقمح، ويعتقد الكثيرون من معارضى المشروع أنه تم توليف الصورة وأنها لا تمثل الحقيقة! وعلى الرغم من أن «المخطط الاستراتيجى للتنمية العمرانية» الذى كانت قد أعدته هيئة التخطيط العمرانى وتم عرضه على مجلس الوزراء فى يونيو 2011، قد تضمّن استكمال مشروعى توشكى وشرق العوينات ضمن مشروعات تنمية جنوب الصعيد، ورغم أن عدداً معتبراً من رؤساء الوزارات ووزراء الرى والموارد المائية والزراعة كانوا فى مواقع المسئولية خلال مدة توقف (أو تعثر) المشروع، فلم يحاول أى منهم البحث فى أسباب تعثره ومحاولة بعثه من جديد، إلى أن تولى الرئيس السيسى المسئولية وأصدر رؤيته للمستقبل التى تعرضت بشكل مهم إلى ضرورة التنمية الزراعية فى إطار توجه تنموى شامل، ومن ثم جاءت أهمية مراجعة وإحياء مشروع توشكى فى سياق تفعيل رؤيته، مما يدعونا إلى استعراض بعض الدروس التى يمكن استخلاصها من لقاء الرئيس لمناقشة مشروع استصلاح واستزراع 4 ملايين فدان من ضمنها توشكى. والدرس الأول جاء فى سياق عرض الرئيس للمعايير التى يتمسك بها فى العمل، حيث أوضح أنه يستهدف إنجاز أى مشروع بأعلى كفاءة، بأدنى تكلفة ممكنة، وفى أقل فترة زمنية، قائلاً إن مصر الآن لا تملك رفاهية الوقت ولا المال ولا تحمل نتائج الأداء المتدنى، ثم حدد الرئيس أنه يجب قبل عرض مشروع ما إتمام دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية وتحديد احتياجاته من موارد مادية ومالية والاستقرار على الجهات التى ستقوم بالتنفيذ ووضع أسس اختيار المستفيدين منه والمستثمرين المحتملين، حتى يتم إنجاز المشروع والوصول إلى النتائج المستهدفة. والدرس الثانى أن الرئيس قد أصر على أن يعرض الوزراء الحاضرون التفاصيل الكاملة لما يعرضونه وعدم الاكتفاء بعرض الملامح العامة. وكانت أسئلة الرئيس بالنسبة لما تم عرضه نافذة إلى صميم المشاكل التى عادة ما يؤدى التجاوز عنها إلى تعثر المشروعات، ولو كان مشروع توشكى قد تمت مناقشته بمثل إحاطة الرئيس السيسى ودأبه دون كلل أو ملل لمعرفة التفاصيل لما كان مصيره التعثر والفشل. وثمة درس ثالث وضح فى ذلك اللقاء، وهو ضرورة التنسيق بين الوزارات والأجهزة الحكومية المعنية بمشروع ما، فقد طالب الرئيس بحتمية النظر إلى أى مشروع ليس من وجهة نظر كل وزارة واختصاصها، ولكن الأهم أيضاً أن يتم دراسة المشروع بفكر الفريق المتكامل من كل الجهات ذات العلاقة. وكان المثل واضحاً حين تساءل الرئيس عن مدى توافر الكهرباء اللازمة لتشغيل معدات الرى الحديثة فى أراضى المشروع، وكانت إجابات الوزراء مبهمة وغير مؤكدة! أو حين تساءل الرئيس عن أسلوب توزيع أراضى المشروع فقد جاءته إجابات تبدو من وحى اللحظة ولم تتم دراستها من قبل. كذلك حين أسرف الوزراء فى استخدام مقولة إن 50% من أراضى المشروع ستخصص للشباب فقد كان تساؤل الرئيس البسيط الذى لم يجد له إجابة؛ «أى شباب؟ ومن أين سيأتون؟ وكيف سيمولون نفقات استزراع الأراضى التى ستخصص لهم؟ وهل تم تدريبهم قبل التخصيص؟»! والدرس المستفاد الرابع أن عرض ومناقشة موضوع «إحياء توشكى» تما دون تفصيل لأسباب تعثر المشروع فى السابق، وقد كان حرياً بوزير الرى توضيح ما هو منسوب إليه فى وسائل الإعلام قوله «إن مشروع توشكى سيعود إلى الأضواء بعد تدارك أخطاء الماضى باستخدام البنية الأساسية التى تمت ومحطات الرفع من بحيرة ناصر، لافتاً إلى أنه من الناحية الهندسية توشكى أفضل مخرج ولكنه ظُلم هندسياً. إن دراسة مصادر الأخطاء التى ألمح إليها الوزير جديرة بأن تكون تحت أنظار المسئولين عن التنفيذ مرة أخرى حتى يتجنبوها! والدرس قبل الأخير هو ضرورة الاستفادة من الدراسات والجهود السابق وتفعيل ما كانت وزارة التخطيط قد اقترحته فى «الإطار الاستراتيجى لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية حتى عام 2022»، من ضرورة إنشاء جهاز مستقل يطلق عليه «جهاز قومى للمشروعات الكبرى» يضم مختلف التخصصات تكون مهمته إدارة المشروعات القومية على أسس علمية وإدارية متقدمة وإخراجها من سيطرة البيروقراطية الحكومية التى أدت إلى فشل كثير من تلك المشرعات كفحم المغرة وفوسفات أبوطرطور وأخيراً توشكى. والدرس الأخير، أن لقاء الرئيس قد انتهى دون اتخاذ قرار، حيث طلب رئيس الوزراء مهلة أسبوعاً لإعداد تقرير شامل عن توشكى، فمنحه الرئيس أسبوعين!!!