وسط زملائه بالمدرسة الثانوية، وقف الطالب الصغير مصطفى كامل ليخطب فيهم اعتراضاً على النظام البريطانى فى التعليم، الذى يقصد تعجيز الطلبة المصريين، بإفشالهم وإغلاق أبواب التعليم العالى فى وجوههم، بأن يشترط حصول الطلبة على 80% من المجموع لاحتسابهم ضمن الناجحين، ولما كان «مصطفى» وزملاؤه لم يحصلوا على المجموع المطلوب فقد اعتبرتهم الوزارة راسبين، يصر «مصطفى» على تعديل النظام بالشكوى لناظر المعارف، أو وزير التعليم وقتها، وبالفعل ينجح فى مساعيه بعد أن يقتنع الوزير بوجهة نظره، ويحصل هو وزملاؤه على شهادة البكالوريا. هكذا يولد الزعيم الصغير، كان يسمع طوال الوقت عبارة تتردد من حوله «مطلوب زعيم» يجمع الناس بعد نفى أحمد عرابى عام 1982 فى أعقاب فشل ثورته ضد الخديو توفيق، ها قد مرت 10 سنوات بعد فشل الثورة، وما تبعها من احتلال إنجليزى لمصر دون أن يظهر زعيم يجمع شمل الأمة الممزق، وبظهور مصطفى كامل تنعقد الآمال عليه، خاصة بعد أن قرر الالتحاق بكلية الحقوق وسافر إلى فرنسا لإتمام تعليمه، وعند عودته أسس جريدة اللواء ليكتب فيها مقالاته النارية، بالإضافة إلى مراسلته للصحف الفرنسية عبر صديقته جولييت آدم، وكذلك إلقاؤه للخطب الحماسية المقصود بها إحياء الروح الوطنية لدى المصريين، فيهاجم اللورد كرومر، ممثل الاحتلال البريطانى فى مصر، ثم ينشئ المدارس، ويدعو لإنشاء الجامعة المصرية، ويؤسس الحزب الوطنى، قبل أن يقع حادث دنشواى الشهير فتزداد وطأة المرض عليه، ولا يهدأ حتى بعد أن ينجح فى طرد اللورد كرومر من مصر، فيسلم الروح ولم يكد يتم عامه الرابع والثلاثين، وعندما تشتعل نيران ثورة 1919 عقب وفاته ب11 عاماً يدرك المصريون أنها ليست بعيدة تماماً عن مبادئه وأفكاره. ملحمة وطنية أخرجها أحمد بدرخان فى عام 1952 عقب ثورة يوليو مباشرة، صدّرها بعبارة على تتر بداية الفيلم نصها «تعلن أفلام المصرى أن الظروف حالت فى العهد الماضى دون تسجيل اسم واضع قصة هذا الفيلم، ويسرنا أن نعلن فى عهد التحرير أن فكرة القصة من وضع الأستاذ فتحى رضوان»، ويقال إن «بدرخان» فشل فى الحصول على موافقة الرقابة على فيلمه بعد أن تقدم به ما يقرب من 15 مرة، وأنه اضطر أن ينتجه بنفسه بعد أن عجز عن العثور على منتج يتحمل تبعات العمل الذى كان يمجد فى الثورة والثوار وقت حكم الملكية، هذا بالرغم من التبجيل والتفخيم اللذين حظيت بهما سيرة الزعيم مصطفى كامل فى ذلك الوقت، تمثلت فى وضع تمثاله فى الميدان الذى حمل اسمه بوسط القاهرة عام 1940، وكذلك إقامة ضريح له بميدان القلعة فى عام 1946 تم نقل جثمانه إليه، ومع ذلك لم يرَ الفيلم النور إلا بعد ثورة يوليو عام 1952. على أن الفيلم الذى أرهق مخرجه لم ينَل حظاً كبيراً من النجاح؛ إذ بالإضافة إلى الاستعانة بالكاتب أنور أحمد ليؤدى دور مصطفى كامل، وهو الذى لم يمثل أبداً لا قبل الفيلم ولا بعده، فإن الفيلم خلا من الأحداث الدرامية التى تمنح الأعمال الفنية جاذبية، واقتصرت أحداثه على الوقائع السياسية الجافة، بالإضافة إلى خطب الزعيم الشهيرة، التى راح أنور يؤديها بحماسة مستعيداً عبارات تاريخية من نوعية «إن شعبنا الخالد لا يموت ولن يموت أبداً»، و«لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً»، و«ليست الحرية بعزيزة على قوم يعملون للحصول عليها ويجتهدون فى نيلها، وليس بعزيز على المصريين أن يحطموا قيود بلادهم وأن يعيدوا إليها استقلالها ومجدها»، غير أنه يحسب للفيلم تصويره لمشاهد غاية فى الروعة لأحداث ثورة 19، كما يحسب له انفراده بأول ظهور ل«المواطنين الشرفاء» الذين يستعين بهم البوليس الإنجليزى لإفشال مؤتمر للزعيم فى الإسكندرية، فيذهبون ليتحدثوا إلى الناس هناك، ويتهموا مصطفى كامل بأنه «عميل وخائن وقابض من تركيا».