ماذا تعرف عن فدية الفضيلة فى الصوم؟ إنها فدية رآها ابن عمر وابن عباس وتبعهما الشافعية والحنابلة فى الجملة. أما جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والظاهرية فلا يعترفون بهذه الفدية؛ لعدم الأمر بها أو الإشارة إليها فى القرآن أو السنة. والفدية عبارة عن غرامة مالية يتحقق بها «إطعام مسكين». والقرآن الكريم نص عليها فى قوله: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ» (البقرة: 184)، وهذه الفدية المنصوص عليها فى القرآن الكريم تسمى بالفدية البدلية، أى التى تكون بديلاً عن الصوم، وقد نسخت عند جمهور المفسرين بقوله تعالى: «فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» (البقرة: 185). ولأجل هذا ذهب المالكية والظاهرية وبعض الشافعية إلى أن العاجزين عن الصوم لكبر السن لا شىء عليهم -لا صيام ولا فدية- وذهب ابن عباس وبعض المفسرين إلى أن آية الفدية البدلية ليست منسوخة، وإنما هى خاصة بالضعفاء ككبار السن والمرضى اليائسين من القضاء، وأخذ بذلك الحنفية والحنابلة والشافعية فى الأصح. كل ذلك فى الفدية البدلية التى جاءت بديلاً عن الصوم. لكن الفدية التى نتحدث عنها فى أنبوشتنا هذه هى فدية الفضيلة، فما المقصود بالفضيلة التى سببت وجوب فدية عند القائلين بها؟ إنها فضيلة الصيام فى رمضان تتركه الحامل والمرضع، ليس خوفاً على نفسيهما، وإنما خوف على الجنين أو الرضيع. فالأم تجد نفسها قادرة على الصوم، ولا تجد أى مشقة فيه، ولكن من شدة تعلقها بحملها قد تظن أن الصيام سيؤثر على حملها، أو سيقلل اللبن لرضيعها، فإذا أفطرت لهذا الظن وجب عليها مع القضاء فدية تسمى فدية الفضيلة. أى فدية مقابل ترك فضيلة الصوم فى شهره الكريم بسبب لا يرجع إلى المرض أو الضعف، وإنما بسبب يرجع إلى الجنين أو الرضيع عند القائلين بها. وهم ابن عمر وابن عباس ومن تبعهما. إذن فدية الفضيلة فدية مفصلة للحامل والمرضع إذا خافتا على الحمل والرضيع. يقول داماد أفندى فى «مجمع الأنهر»: «والخوف يعلم باجتهاد صاحب الشأن أو بقول طبيب مسلم غير ظاهر الفسق». وحتى نرتب مسائل الحامل والمرضع فى الصيام فيجب أن نفرق بين حالين. الحال الأولى: أن تخشى الحامل أو المرضع على نفسها من الصوم فى رمضان، بسبب ضعف صحتها مع حال الحمل أو الإرضاع. فهنا تكون فى حكم المريض الذى يرجو السلامة، فعليها القضاء بعد رمضان بدون فدية الفضيلة بالاتفاق. الحال الثانية: أن تكون الحامل أو المرضع صحيحة البدن بحمد الله، ولا تخشى على نفسها من الصوم، وإنما تظن أن صومها سيضر جنينها أو رضيعها، فهنا اختلف الفقهاء فى حكمها على أربعة مذاهب. المذهب الأول: يرى وجوب القضاء فقط دون فدية فضيلة على الحامل أو المرضع إذا أفطرت خوفاً على الجنين أو الرضيع. وهو مذهب الحنفية ووجه عند الشافعية وهو مذهب الظاهرية فى الجملة، وبه قال الحسن البصرى والنخعى والثورى والأوزاعى. زاد الظاهرية أنها إذا عجزت عن القضاء فلا شىء عليها كالشيخ الكبير. وحجتهم: (1) ما أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وحسنه عن أنس بن مالك، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة. وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام». (2) ثم إن الأصل فى الفطر المشروع عدم وجوب الفدية، فلا نوجبها على الحامل والمرضع قياساً على المسافر والمريض. (3) بالإضافة إلى أن فدية الفضيلة لا أصل لها فى القرآن أو السنة، فلا يجوز إيجاب شىء على المسلمين بغير دليل شرعى. المذهب الثانى: يرى وجوب القضاء ووجوب فدية الفضيلة على الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على أولادهما. وهو مذهب الشافعية فى الأظهر وإليه ذهب الحنابلة، وهو قول ابن عمر وابن عباس. وحجتهم القياس على الشيخ الكبير الذى لا يطيق الصوم، فقد أوجب الله عليه الفدية فى قوله سبحانه: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ» (البقرة: 184). ولكن يمكنك أن تعترض وتقول إن هذه الآية -على التسليم بأنها ليست منسوخة- فهى تتكلم عن الفدية البدلية؛ لأن الشيخ الكبير ليس عليه قضاء، فهو عند الجمهور -خلافاً للمالكية والظاهرية وبعض الشافعية- يغرم فدية بديلاً عن الصوم. أما المرضع والحامل فإنهما سيقضيان من أيام أخر، فلماذا نوجب عليهما فدية فضيلة؟ المذهب الثالث: يرى التفريق بين الحامل وبين المرضع. أما الحامل فلها أن تفطر ثم تقضى ولا فدية للفضيلة عليها؛ لأنها فى حكم المريض، فالخوف على الجنين كالخوف على بعض أعضاء الأم. أما المرضع فلها أن تفطر، ولكن عليها القضاء وفدية الفضيلة؛ لأن المرضع يمكنها أن تستعيض بأغذية أخرى أو بمرضع أخرى، ثم إن خوفها من شىء لا يؤثر على جسدها بخلاف الحامل. وهو مذهب المالكية ووجه ثالث عند الشافعية. المذهب الرابع: يرى أن الحامل أو المرضع لها أن تفطر فى رمضان وليس عليها إلا الفدية البدلية إطعام مسكين عن كل يوم فائت، وليس عليها قضاء ولا فدية فضيلة حتى لو كان الخوف على الجنين والرضيع وليس خوفاً على نفسيهما. وهو قول بعض السلف روى عن ابن عباس وابن عمر وسعيد بن جبير. وحجتهم عموم قوله تعالى: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ» (البقرة: 184)، على رواية ابن عمر أنها ليست منسوخة، ويكون المعنى بقراءة «يطوّقونه» أى يتحملونه بمشقة، فيدخل فيه الحامل والمرضع ولا يقتصر على المريض وكبير السن. والفقهاء يفرحون بكثرة الأقوال فى المسألة الواحدة؛ لأنها تعنى سعة الاختيار للناس، فضلاً عن نجاحهم فى إبانة أكثر الأوجه المحتملة. فهم ليسوا كأوصياء الدين فى هذا العصر الذين يريدون إلزام الناس باتباع ثقافتهم وعلمهم ولو كان غير مقنع. إن أردت أن تصحح دينك فاستقل باختيارك الذى يريح قلبك مع الله. وإلى لقاء جديد غداً بإذن الله مع أنبوشة فقهية أخرى.