مدبولي: الرئيس أكد اليوم أهمية مشاركة القطاع الخاص في مجال الزراعة    موسكو: روسيا مستعدة للمساعدة في الحوار بين إيران وأمريكا بشأن البرنامج النووي لطهران    جيش الاحتلال عن إطلاق النار على الوفد الأجنبي في جنين: الدبلوماسيون انحرفوا عن مسارهم    بريطانيا تتعهد بتقديم مساعدات جديدة إلى غزة بقيمة 4 ملايين جنيه إسترليني    وزارة الرياضة تكشف صعوبات الاستثمار في الأندية.. وتعديلات القانون الجديد    بونيتا: أسعى لتحسين تصنيف منتخب الطائرة ولا أسمح بالتدخل في اختيارات القائمة الدولية    وزير الرياضة يستقبل بعثة الرياضيين العائدين من ليبيا    بعثة وزارة الداخلية لحجاج القرعة تتوجه لزيارة الروضة الشريفة    ترامب يعلن عن مشروع القبة الذهبية بتكلفة 175 مليار دولار    بدء حجز 15 ألف وحدة سكنية لمتوسطى الدخل.. لا يقل عمر المتقدم عن 21 عاما ولا يزيد الدخل الشهرى للأسرة عن 25 ألف جنيه أبرز الشروط.. وعدم الحصول على قرض تعاونى والتنازل عن شقة الايجار القديم آليات الحصول على وحدة    واشنطن تعين سفيرها لدى تركيا مبعوثًا خاصا إلى سوريا    البورصة توافق على قيد أسهم شركة يو للتمويل الاستهلاكى    غدا.. انطلاق امتحانات الصف الأول الإعدادي 2025 الترم الثاني في القليوبية    بعثة "الداخلية" تتوج خدماتها لحجاج القرعة بزيارة الروضة الشريفة.. فيديو    استمرار الجدل حول تشكيل جهاز ريفيرو.. والنحاس وشوقي مرشحان لمناصب إدارية بالأهلي    تحقيقات موسعة داخل لجنة الحكام لهذا السبب    وزير الخارجية يؤكد تمسك مصر بإعمال القانون الدولي في حوكمة نهر النيل    ضبط 7 أطنان دقيق مدعم قبل تهريبها للسوق السوداء بالشرقية    استعداداً ل«الأضحى».. محافظ الفيوم يوجه برفع درجة الاستعداد القصوى    جودي فوستر تتألق في جلسة تصوير فيلم "Vie Privée" بمهرجان كان    «بالتوفيق لأم ولادي».. منشور طلاق أحمد السقا ومها الصغير يثير الجدل وتفاعل من المشاهير    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    حكم طهارة المريض المحجوز بالعناية المركزة؟ دار الإفتاء تجيب    خالد عبد الغفار يلتقي وزيري صحة موريتانيا وكوبا لبحث سبل التعاون    صحة الدقهلية: ختام الدورة التدريبية النصف سنوية للعاملين بالمبادرات الرئاسية    محافظ أسوان يشارك فى إحتفالية فرع الهيئة العامة للإعتماد والرقابة الصحية    أسعار العملات العربية والأجنبية مقابل الجنيه بختام تعاملات اليوم 21 مايو 2025    تقارير: جنابري يقترب من العودة لمنتخب ألمانيا    قرار جديد من القضاء بشأن معارضة نجل الفنان محمد رمضان على إيداعه بدار رعاية    قد يكون صيف عكس التوقعات.. جوارديولا يلمح بالرحيل عن مانشستر سيتي بسبب الصفقات    ولي عهد الفجيرة: مقتنيات دار الكتب المصرية ركيزة أساسية لفهم التطور التاريخي    بعد ارتفاع الأسمنت إلى 4 آلاف جنيه للطن.. حماية المنافسة يعلق قرار خفض إنتاج الشركات لماذا؟    تصعيد دموي جديد في بلوشستان يعمق التوتر بين باكستان والهند    المشاط: مباحثات حول انعقاد المؤتمر الدولي ال4 لتمويل التنمية بإسبانيا    مصرع محامي إثر حادث تصادم بين موتوسيكلين في الشرقية    قومى المرأة بالبحر الأحمر تطلق مبادرة معا بالوعي نحميها بمشاركة نائب المحافظ    تحرير 151 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    العثور على جثة حارس عقار داخل وحدة سكنية في قنا    363 شخصا فقط شاهدوه في أسبوع.. إيرادات صادمة ل فيلم استنساخ (بالأرقام)    إزالة 12 مخالفة بناء بمدينة الطود ضمن أعمال الموجة 26    الرئيس السيسى ل الحكومة: ليه ميتعملش مصنع لإنتاج لبن الأطفال في مصر؟    لمواليد برج الحمل.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    قوات الحماية المدنية بالفيوم تنجح فى إنقاذ "قطتين" محتجزتين بأحد العقارات    «بنسبة 100%».. شوبير يكشف مفاوضات الأهلي مع مدافع سوبر    محمد شبانة: ندافع عن سعاد حسني أكثر من أسرتها.. وحبها للعندليب كان نقيًّا    "هندسة بني سويف الأهلية" تنظم زيارة لمركز تدريب محطة إنتاج الكهرباء بالكريمات    بالأسماء.. «تعليم الإسكندرية» تحصد المركز الأول في المسابقة الثقافية المسيحية    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    توفير فرص عمل لذوي الهمم في القطاع الخاص بالشرقية    ضبط شركة سياحية غير مرخصة بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين    تثبيت دعائم الاستقرار    استخراج جسم معدني خطير من جمجمة طفل دون مضاعفات بمستشفى الفيوم الجامعي    بالصور- محافظ أسيوط ينقل مريضة بسيارته الخاصة لاستكمال علاجها    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون مَحْرَم؟..الأزهر للفتوى يجيب    بوتين: نخوض حرباً ضد النازيين الجدد    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الوطن» ترصد روايات شهود عيان «حرق مصر»
نشر في الوطن يوم 20 - 05 - 2012

«مصر بتتحرق» صرخة أطلقتها سيدة مسنة ليلة جمعة الغضب، استقبلها آلاف الحالمين بمستقبل جديد بالسخرية والتهكم على صفحاتهم على موقع «الفيس بوك». لم يتوقع أحد هؤلاء المتفائلين أن تتحول صرختها إلى واقع ومعاناة طوال عام ونصف عام، بحرائق امتدت من أسوان إلى طنطا والمنوفية، مروراً بالسويس، وخطوط الغاز فى سيناء.«الوطن» جابت المحافظات لتبحث على أرض الواقع عن أسباب تلك النار المشتعلة فى أنحاء مصر، كما يرويها شهود العيان، بعيداً عن تحذيرات الإعلام، ونبوءة السيدة «المجهولة».
«محمد» رفض الهجرة إلى كندا فمات محروقاً فى جمصة بسب غياب الأمن وصمت المحافظ
والده: الكارثة فى قرار المسئولين منع محاسبة المستثمرين فى المنطقة الصناعية
رفض «محمد» ترك بلاده كغيره من مئات الشباب الذين انضموا إلى صفحته الإلكترونية على «فيس بوك»، وكتب عليها معبراً عن تمسكه بالبقاء فى حضن الوطن: «أنا قلت لأ والبلد بلدنا ومش هروح أمريكا ولا كندا» لتجد كلماته صداها لدى 24 ألف شاب، عقدوا العزم والنية على البقاء فى مصر لخدمتها، تجمعهم نفس المبادئ التى أكدها ذلك الشاب العشرينى فى صدر صفحته «إحنا بنحب بلدنا وهنفضل ننادى بالحرية ونقول لا للتعصب الفكرى ولا للإرهاب ولا للاتجار باسم الدين، ولا للفساد والجهل والجوع وضياع ثورتنا».
تمسك محمد سميح، بالمبادئ، وهو لا يعلم أن الفساد «يده طايلة»، وأنه سيكون إحدى ضحاياه، وأن الأيام ستبادر بحصد روحه، ليموت حرقاً فى المصنع الذى عمل فيه بعد أن أنهى دراسته الجامعية، نتيجة لماس كهربائى أدى إلى انفجاره.
مات «محمد» ذو ال 24 ربيعاً تاركاً وراءه عائلته الصغيرة مكونة من والديه وأخت كبرى معيدة فى كلية الهندسة وأخ يدرس الطب.
بدأت الحكاية منذ 10 شهور، انضم وقتها «محمد» إلى مصنع «الترا اكسترات» المتخصص فى معالجة المياه الناتجة عن آبار البترول بالمنطقة الصناعية الأولى فى مدينة جمصة. يذهب إلى عمله مبكراً يتابع عمليات معالجة المياه، ثم يعود إلى منزله لمتابعة تطورات الساحة السياسية، ويدخل إلى صفحته الإلكترونية التى وصل عدد معجبيها إلى الآلاف يمدهم بجرعة من الأمل بعد حالة يأس غلبت على المشهد السياسى مؤخراً - حسب وصف زميله رجائى عبدالغفار.
وحكى «رجائى»، الذى ترك المصنع بعد اندلاع الحريق ووفاة صديقه: «داخل المصنع الصغير استمر العمل فى معالجة مياه الآبار الناتجة عن حفر آبار البترول، وتحتوى على كيماويات قابلة للاشتعال وبها مواد سامة، نقوم بمعالجتها حتى تصبح صديقة للبيئة، ثم نطلقها فى مواسير الصرف الصحى، وقبل اندلاع الحريق ب 4 أشهر كانت الأمور تسير على ما يرام، إلى أن فوجئنا بأن المياه التى تأتينا تحتوى على بترول وجازولين، ومواد ملتهبة تسمى «كوندسات» تشتعل عند درجة حرارة 32 مئوية، ليتغير نشاط المصنع من معالجة المياه الناتجة عن آبار بترول إلى مياه محملة بنسبة كبيرة من البترول ومواد شديدة الاشتعال».
ووصف رجائى الأمر بالكارثة، خاصة أن معدات المصنع وإجراءات الأمن لا تؤهلهم للتعامل مع تلك النوعية من المياه، وعلى الرغم من تحذيرات الكيميائيين من خطورتها استمر العمل فى المصنع، إلى أن شب حريق محدود تمكنوا من السيطرة عليه، ورفع العاملون تقريراً بعنوان «خطر كامن» إلى مدير العمليات بالشركة، يتناول المتغيرات التى طرأت على خصائص المياه الواردة إلى الشركة، واحتوائها على نسبة كبيرة من المكثفات والجازولين شديدة الاشتعال، وحذر التقرير من وجود مواد ملتهبة قابلة للاشتعال على أسطح خزانات المياه، يمكن أن يؤدى تجاهلها إلى تدمير المصنع ووفاة العاملين به.
وأضاف: «لم تستجب إدارة الشركة إلى تقرير الكيميائى أحمد المكاوى - حصلت «الوطن» على نسخة منه - ليشب بعد أسبوع من رفعه للإدارة حريق هائل نتيجة لماس كهربائى، وأدى وجود المكثفات والمواد شديدة الاشتعال إلى حدوث انفجار حصد روحين، أحدهما الكيميائى محمد سميح.
وقال المكاوى، صاحب التقرير، إن المصنع يفتقد إلى أبسط وسائل الأمن الصناعى، بدليل وجود لوحة كهرباء على أحد التنكات التى تمر فيها المياه لمعالجتها، ترسب فى قاعها كيمياويات شديدة الاشتعال، ويطفو على سطحها الجاز والمكثفات، وارتفاع درجة حرارة المكان أدى إلى انصهار الجاز، وتساقطه خارج الخزان على لوحة الكهرباء المثبتة على جداره، مما أشعل الحريق.
وأثبتت معاينة النيابة لمكان الحريق - حصلت «الوطن» على نسخة منها - أن هناك كثيراً من العوامل تسببت فى الحريق، منها المخلفات، وافتقاد وسائل الأمن الصناعى، ووجود لوحة الكهرباء على أحد التنكات، وأخرى أمام مولد الكهرباء، وكان يجب تغطيتها ووضعها بعيداً عن أماكن الخطر، إضافة إلى أن مواسير مياه الإطفاء مصنوعة من البلاستيك، والمكان المخصص لتخزين المواد الكيميائية صغير، ولا توجد فى المصنع إشارات لمداخل ومخارج الطوارئ.
ولم تكن هذه المخالفة هى الأولى للمصنع، فسبق أن زارته هيئة الأمن الصناعى فى «بلقاس» يوم 27 سبتمبر 2011، ورصدت عدداً من المخالفات، منها أن المنشأة تعمل دون ترخيص، ولا يوجد بها وسائل أمان ضد مخاطر الحريق والكهرباء، أو خطة لمواجهة الطوارئ، إضافة إلى افتقادها الإسعافات الأولية، ووسائل الوقاية الشخصية.
والد «محمد» يرى أن المشكلة الحقيقية ليست فى افتقاد المصنع لعناصر الأمن الصناعى فقط، وإنما فى القرارات التى وصفها بالكارثية، من بينها قرار محافظ الدقهلية رقم 211 لسنة 2003 والقانون 12 لسنة 2003 الذى يمنع اتخاذ إجراءات قانونية ضد مصانع المنطقة الصناعية حفاظاً على الاستثمار، استناداً إلى كلام مسئول الأمن الصناعى فى بلقاس ضمن تحقيقات النيابة.. يقول: «يعنى ندى الأرض للمستثمر ببلاش ونعفيه من الجمارك وفى الآخر نرفض إنه يوقف شغله حتى ولو كان هيضيع حياة ولادنا تشجيعاً لمناخ الاستثمار.. الله يرحمك يا محمد يا بنى، يا ريتك سافرت كندا أو أمريكا».
«النصر للبترول» احترقت مرتين: فى 67 بنيران الطيران الإسرائيلى.. وفى 2012 على يد مجهول
«عمران»: غياب إجراءات الأمن الصناعى يؤدى حتماً إلى الحرائق.. والحريق الخير «تخريب متعمد»
يرى اللواء أركان حرب عبدالحميد عمران رئيس أنظمة الإنذار والأمان والمحلل الاستراتيجى، أن اندلاع الحرائق من الناحية التقنية ينتج عن اجتماع مكونات أساسية فى نفس الوقت والمكان، هى الحرارة والأكسجين والمواد المشتعلة، ولتلافى نشوب الحرائق يوجد نوعان من الإجراءات، الأول سلبى، يتمثل فى الحرص على عزل مكونات الحريق عن بعضها البعض، بوضع المواد القابلة للاشتعال داخل مستودعات ذات أغطية محكمة، وإبعادها عن مصادر الحرارة والشرر الكهربائى أو الميكانيكى، وطلاء الجدران والأسقف بمادة مؤخرة لنشوب الحرائق، مع اتباع باقى مبادئ وأسس الوقاية السلبية من الحرائق. والثانى، يتمثل فى الإجراءات الإيجابية، وتتلخص فى حماية المنشأة بواسطة نظام إنذار ضد الحريق يعمل على إصدار تحذير مبكر عند اللحظات الأولى للحريق، قبل أن تكون هناك أى علامة يمكن ملاحظتها بالعين المجردة. وتتكون هذه الأنظمة من وسائل استشعار للحريق نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، أو تصاعد الدخان أو استشعار موجات الإنفرو «الألترا فيوليت» المصاحبة للهب. ولاستكمال الفعالية يجب أن يرتبط نظام الإنذار بآخر للإطفاء التلقائى، يستخدم مواد فعالة بما يتناسب مع نوعية ومكونات المنشأة والمواد المخزنة فيها.
وقال عمران: «غياب الإجراءات السابقة يؤدى حتماً إلى اندلاع الحرائق، إلا أن تكرار حدوثها فى مستودعات بترول السويس، وامتدادها لتشمل العديد من المصانع والوحدات الإنتاجية والمؤسسات السيادية يقودنا إلى التساؤل: هل كل الحوادث التى وقعت مؤخراً فى فترة زمنية محدودة وليدة الصدفة، أم أنها مدبرة، تهدف إلى تعطيل مسار التنمية الاقتصادية وزيادة الضغوط على الثورة المصرية، وتنفير الناس منها؟».
وأضاف أن التقارير التى صدرت عن حريق مستودعات البترول فى شركة النصر للكيماويات فى السويس، تفيد أنه متعمد، ووقع بفعل فاعل، ونتيجة لتخريب مقصود، خاصة أنه بدأ فى 4 مستودعات متباعدة عن بعضها فى ذات الوقت، وتعطل الإنذار المبكر للحرائق. كما أن حرائق البترول يجرى إطفاؤها طبقاً لكود الإطفاء العالمى، باستخدام مواد رغوية تشكل غطاء عازلاً بين المادة المشتعلة والأكسجين فى الهواء، ولا تستخدم المياه فى إطفاء المواد البترولية، لأنها تزيد من انتشارها وتنقل الحريق إلى أماكن أخرى.
وربما يفسر ما قاله عمران ما يرويه محمد صلاح أحد شهود العيان على حريق «شركة النصر» فى السويس، التى تبعد خطوات عن منزله، قال: «طائرات القوات المسلحة زادت من اشتعال حرائق شركة النصر عندما حاولت إطفاءها بماء البحر المالح، واستمر الحريق 4 أيام متتالية، وكلما سيطرنا على أحد التنكات، اشتعلت النار مرة أخرى، إلى أن اشتعلت التنكات ال4».
شركة النصر للبترول أنشئت قبل 101 سنة، أقدم شركة بترولية فى مصر، وأممها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عام 1964 وكانت وقتها تسمى «شل ليميتد مصر»، وهى لم تتعرض طوال تاريخها إلا لحريقين، الأول عام 1967، بعد أن دكها الطيران الإسرائيلى، ليوجه ضربة قاصمة إلى الاقتصاد المصرى، والثانى فى منتصف أبريل 2012 والفاعل مجهول.
«الوطن» زارت الشركة فى السويس، وحاولت مقابلة العاملين الذين كانوا داخلها عند اندلاع الحريق، لكن أغلبهم رفض الحديث، بينما اكتفى أحدهم بسرد ما حدث، مشترطاً ألا نذكر اسمه حفاظاً على «مصدر رزقه»، قال: «الانفجار الأول بدأ خلال تسليم الورديات فى الخامسة مساء، عند حوض التنكات، نتيجة لتسريب لا أحد يعرف سببه، خاصة أن هذا المكان لا يدخله أى شخص سوى لفتح المحابس، ولا بد من تسجيل اسمه، ووقت دخوله، ونفس الأمر يتكرر مع من يقوم بغلق المحابس، إلا أنهم وقت الحريق وجدوا المحابس مفتوحة، دون وجود توقيع يشير إلى من قام بذلك».
أضاف المصدر: «وفى حال ترسيب الغاز يجب أن يعمل جهاز الإنذار الموصل بغرفة التحكم الرئيسية، حتى يجرى التدخل سريعاً للسيطرة على الترسيب، ولكنه لم يعمل هذه المرة»، لافتاً إلى أنه فى حالة اندلاع أى حريق يجرى الاتصال بفرقة 777، التابعة للدفاع المدنى، كما أن غرفة عمليات النصر تتحكم فى المنطقة الجغرافية للسويس بأكملها، لأنها من أكبر وأقدم شركات البترول فى المنطقة، وهذا الأمر لم يحدث فى الحريق الأخير».
وتساءل المصدر نفسه: «لماذا نشب الحريق فى الشركة بعد أن تركها رئيس مجلس الإدارة السابق، والمعروف بانتمائه إلى لجنة التنظيم فى الحزب الوطنى المنحل بعشرة أيام فقط؟».
وقال الدكتور عاصم الدسوقى، مؤرخ متخصص فى التاريخ الاقتصادى والاجتماعى، إن انتشار الحرائق فى مصر خاصة فى الفترة الأخيرة، من صنع النظام السابق، خاصة الموجودين فى سجن طرة، لافتاً إلى أن هناك كثيراً من الثورات اندلعت دون أن تصاحبها حرائق، فهذه ليست قضية الثوار، أو طريقتهم، وفى كل المظاهرات التى شهدها التاريخ المصرى بداية من ثورة 1919، كان أقصى ما يقوم به الثوار هو استخدام الطوب ضد المصالح الأجنبية التابعة للاستعمار، فيغلق التجار محلاتهم لتجنب الخسائر كما يحدث الآن.
وأوضح أن: «رموز النظام السابق ما زالوا يستخدمون الحيل التى كان يستخدمها الاحتلال الانجليزى، ففى السويس مثلاً كانت الحركة الفدائية تواجه بإشعال حريق فى إحدى الكنائس، ليحدث فتنة طائفية، ويتهم بعدها الفدائيون بإشعاله، وتلك الطريقة تشبه عمليات حرق الكنائس، التى قامت بها مؤخراً عناصر الثورة المضادة، لإثارة الفوضى، والحد من تعاطف الناس مع الثورة والثوار.
بائعو الخان يتبرأون من حرق «بيع المصنوعات»: «حد يحرق أكل عيشه!»
«الفران»: هل يعقل أن تنتقل النار من المحلات فى الشارع إلى الدور الرابع دون أن تمر على الأول؟!
واستمراراً لمسلسل الفوضى، وعلى بعد أمتار قليلة من مسجد السيد البدوى فى مدينة طنطا، وقف الباعة فى شارع «الخان» متلاصقين، يتطلعون من خلف الكردون الذى فرضته قوات الأمن حول مبنى شركة بيع المصنوعات التى أكلتها النيران، إلى هيكلها المدمر.. وجميعهم هناك لا يسعون لشىء، سوى تبرئة أنفسهم من تهمة إحراق الشركة التى أكلت النيران إلى جوارها 18 محلاً تجارياً، «معقولة حد يحرق أكل عيشه»، قالها مصطفى الفران رئيس رابطة شباب الخان، التى كونها الباعة للدفاع عن مصالحهم بعد الحريق. وأكمل: «بعد اندلاع الحريق وجدنا وسائل الإعلام تتهم الباعة فى الممر بالوقوف وراء الحريق، بعد مشاجرة بين اثنين منهم، هما سعد عبدالهادى، وعلى محمد، مع أن الاثنين كانا فى قسم الشرطة وقت الحريق بسبب خناقة وقعت بينهما منذ شهرين».
ثقة «الفران»، ودفاعه عن زملائه وهو يتحدث إلينا لم تأت من فراغ، فهو يفند لك أسباباً يراها منطقية، منها أن الحريق شب يوم الأحد، الذى يعد إجازة رسمية للباعة، ولا يوجد إلا واحد أو اثنان فى السوق، إضافة إلى أن المتهمين بإشعال النيران كانا غير موجودين وقتها.
صمت الفران لوهلة، وعرض علينا التجول فى منطقة الحريق، وهو يشير إلى الطابق الأول للشركة الذى يحتوى على لافتات إعلانية لم تمسها النيران، قائلاً: «هل يعقل أن ينتقل الحريق من محلات وباكات البائعين إلى الشركة دون أن يمر على الطابق الأول».
وأضاف: «إذا أردتم أن تعرفوا الحقيقة عليكم فقط استخدام قوة الملاحظة، ووزن الأمور، فما رفض الإعلام نشره هو أن حريقاً مفاجئاً نشب فى إحدى باكات البائعين، بعد أن سقطت زجاجة مولوتوف أعلاها، ثم بداخلها، وأثناء محاولتنا إطفاءها وجدنا النيران تخرج من الدورين الثالث والثانى فى الشركة، وكان لون ألسنة اللهب «أزرق» غريباً، وما يؤكد أن النيران جاءت من الداخل أن الإطارات الحديدية مقوسة من الداخل لا يمكن معها إلقاء أى مواد حارقة من الخارج، كما رأيت جثة أخرجوها من داخل المبنى لا نعرف عنها شيئاً حتى هذه اللحظة».
ويوضح الفران أن خسارة التجار ليست فقط فى البضائع التى أُحرقت، وإنما فى زميلهم الذى مات حرقاً هو وطفلاه 5 و7 سنوات، الذين خرجوا متفحمين وجمعوا رفاتهم «بالجاروف»، لافتاً إلى المستثمر السعودى الذى يستأجر أحد الطوابق بالشركة اتصل للاطمئنان بعد الحريق، ولم يكن هناك أى فرد من الشركة موجوداً، حتى إن مدير الشركة حضر فى اليوم التالى ليزاول عمله، وبدا متفاجئاً بالحريق، كما لاحظ الباعة قبل الحريق وجود سيارات حملت بضائع دون أن يعلم أحد مصيرها.
قاطعه أثناء حديثه معنا أحد أفراد الأمن أمام الشركة، نافياً ما قاله الفران، ومؤكداً أن شجار الباعة كان سبباً فى حريق الشركة، مما جعل «الفران» يرد عليه «هل كنت موجوداً؟» قال «لا»، فسأله «أين كان أفراد الأمن وقت الحادث» فأجابه «كنا فى إجازة والشركة مقفولة».
الاتهامات ظلت متبادلة بين الباعة والشركة، كلٌ منهما يرى الآخر سبباً فى الحريق، إلا أن باعة الشارع كانت لديهم حجج قوية، وأدلة للدفاع عن أنفسهم، ولا أحد حتى الآن يعرف مصير التحقيقات، أو أسباب الحريق الحقيقية.
ملثمو «الكروز الصفراء» يحرقون خط الغاز وبيوت الأهالى حتى قبل سقوط النظام
«محمد»: الانفجار تسبب فى حرق جلدى.. وجدته: الحرائق دمرت بيتنا واحنا على باب الله
فى سيناء انفجر خط الغاز 14 مرة، دون أن تخرج علينا جهات التحقيق بأى معلومات عن الفاعل، ليبقى كل مرة هو ذلك الرجل الملثم هكذا يرى اللواء عادل سليمان، المدير التنفيذى للمركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية الموقف. مؤكداً أن تفجير خط الغاز كان أمراً سهلاً لأن كثافة السكان فى سيناء محدودة، ومن الممكن أن يدخلها أى شخص بسهولة، ويفجر خطوط الغاز، فمن يعرف جبالها ووديانها هم أهلها، وليس كما يدعى البعض أنهم أفراد من الخارج.
وأوضح سليمان أن تفجيرات الخط لم تبدأ بعد الثورة، فالتفجير الأول كان قبلها، ولم تعلن جهات التحقيق أى معلومات عن مرتكبيه أو ملابساته، لأن غياب المعلومات يطمس الحقائق. لافتاً إلى أن إيقاف تصدير الغاز إلى إسرائيل لن يضرها كما يتخيل البعض، خاصة بعد تعاونها مع إحدى الشركات الأجنبية واكتشافها حقول غاز بالقرب من قبرص، تكفى لسد احتياجاتها لمدة 100 سنة، كما لم يصلها من نسبة الغاز الذى اتفقت عليه مع مصر سوى 20%، ومن يعتقد أن إسرائيل سوف تتأثر بوقف تصدير الغاز واهم، مضيفاً: «لم نسمع أن الكهرباء أو المصانع فى إسرائيل توقفت خلال انفجار خط الغاز».
إلى سيناء انتقلت «الوطن» لمعاينة الوضع على أرض الواقع، بدأنا بمحطة «بلوف» على طريق المطار جنوب العريش، وصلنا إلى هناك لنجد قوات من الجيش لحراستها «حراسة مشددة» وعلى بعد بضعة أمتار توجد مبان لبعض الأسر، لم تتجاوز ال15، بعضها على هيئة «عشش» مصنوعة من الحطب، والأخرى مبنية بالطوب.
على مدخل البيوت نادت علينا طفلة فى العاشرة من عمرها قائلة: «احنا بيتنا اتحرق فى تفجير خط الغاز»، ثم أخذتنا إلى عشتها لمقابلة جدتها ووالدتها، استقبلتنا الجدة وأجلستنا على الرمال داخل عشتها، وحكت: «فى شهر فبراير الماضى فوجئنا بشخص يمر علينا ويخبرنا بضرورة مغادرة المكان، لأنه سيحدث تفجير فى محطة الغاز، ولم ينته من كلامه، حتى أسرعنا إلى جمع أطفالنا، وما إن أدرنا ظهورنا حتى كانت ألسنة اللهب تتطاير فى السماء».
وأضافت: «لم أر فى حياتى انفجاراً بمثل هذا الشكل، ولم نعرف الشخص الذى طالبنا بمغادرة المكان سريعاً، كنا نظنه فى البداية أحد العاملين فى المحطة، كل ما نعرفه أن عشتنا وجميع أغراضنا أكلتها النيران، ونحن على باب الله، جئنا من الشيخ زويد حتى نكون بالقرب من المدينة والمياه».
تركنا الجدة، وأثناء خروجنا من عشتها نادى علينا أحد الأطفال، وقال: «صاحبى هذا يعانى من حرق فى ظهره نتيجة حرارة الغاز»، على الرغم من تخوف الطفل المصاب منا فى البداية وفراره بعيداً، إلا أنه قرر أن يدلى بشهادته قال: «كنت ألعب مع أصحابى، حتى وجدنا سيارة كروز صفراء تحمل 4 أشخاص، اثنين يجلسان فى الخلف ومثلهما فى المقدمة، ويسيرون فى اتجاه المحطة، وبعدها بلحظات، أثناء مغادرتهم سمعنا صوت انفجار، فجرينا للهرب بعيداً عن المكان، إلا أن حرارة الانفجار أصابتنى بحروق».
محمد سالم الطفل المصاب، صاحب العشر سنوات، لا يعلم شيئاً عن الانفجار سوى أنه كان سبباً فى حروقه، وأن من قام به 4 ملثمين، يستقلون سيارة كروز صفراء، كما لا يعرف إلا اللعب مع أصحابه حافى القدمين على رمال سيناء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.