قدمت منذ سنوات مضت من تأليفى وإخراج المبدع الراحل العم إسماعيل عبدالحافظ وبطولة القدير صلاح السعدنى مسلسل «للثروة حسابات أخرى»، وناقشت من خلال دراما هذا المسلسل الذى أعتبره من أفضل ما كتبت من أعمال درامية فلسفة الثروة وتأثير الثروة وحساباتها التى لا حصر لها، من خلال ثروة طائلة تهبط على أحد توأمين بعد وفاة توأمه، وكم كان لتلك الثروة من آثار سلبية وإيجابية فى حياته وحياة زوجته وأبنائه وأمه والمحيطين بهم.. وكذلك نظراتهم المختلفة والمتباينة للثروة.. وما فعلته الثروة فيهم وبداخلهم وبهم.. وكلنا نعرف ونردد دائماً الآية القرآنية التى يقول الله سبحانه وتعالى فيها: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»، ونعلم أن الله سبحانه وتعالى الذى خلق الإنسان ويعلم خبايا نفسه، لأنه عنده الكتالوج، قد قدم المال على البنين من وجهة نظر الإنسان، كزينة للحياة، لعشقنا جميعاً وتكالبنا جميعاً على جمع المال واكتنازه والفشخرة به. وكلنا «كل بنى آدم» حريصون على جمع المال واكتنازه أو الاستمتاع به، بل والغالبية العظمى من بنى آدم «للأسف» فى زماننا هذا أصبح المال لديهم أهم حتى من فلذات أكبادهم.. ولكن هناك فلسفة أخرى للمال وللثروة سنضرب تدليلاً عليها بعض الأمثلة، كسيدنا أبى بكر الصديق الذى أنفق الغالبية العظمى من ماله فى سبيل نصرة الإسلام والدعوة إلى الله.. وكذلك عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف والكثيرون من الصحابة الأجلاء «رضى الله عنهم وأرضاهم».. بل وفى العصور القريبة نسمع ونقرأ عن المئات من أثرياء القرن السابق والذى قبله الذين تبرعوا بالكثير من أموالهم وأملاكهم لصالح مشاريع قومية كجامعة القاهرة كمثال.. وكلنا نعرف بالطبع معلومة تبرُّع أغنى رجل فى العالم «بيل جيتس» بثلاثة أرباع ثروته لصالح مشاريع خيرية وتنموية فى بلاده بل وفى أرجاء العالم.. وغيره الكثيرون من أثرياء العالم الذين يتبارون فى التبرع بمئات الملايين بل وبالمليارات لإنشاء جامعات أو تمويل أبحاث علمية أو مشاريع خيرية.. وذلك كله ليس لشىء سوى لأنهم ذوو نفوس سوية ويعرفون معنى فلسفة الثروة ومعنى السعادة وعمقها وهم يطبقون مبادئ وقيم فلسفة الثروة السوية.. وقبل أن أتحدث عن مبلغ تأثرى الإيجابى عندما أعلن رجل الأعمال محمد الأمين عن تبرعه بنصف ثروته وممتلكاته وأنصبته فى الشركات المساهم بها، أود أن أؤكد أننى وإن كانت علاقة شقيقى «مجدى» وطيدة بالرجل، فإننى لم أقابله إلا مرتين أو ثلاثاً ولم نتجاذب أطراف الحديث ولم تستغرق هذه الجلسات الثلاث دقائق معدودات منذ عدة سنوات.. وكذلك أؤكد أننى لا أريد ولا أبتغى منه جزاء ولا شكوراً ولا تقرباً ولا تملقاً عندما أسجل مبلغ تقديرى لتصرف هذا الرجل النبيل الذى لم تُعمِ قلبه الثروة والذى هداه الله لمعرفة فلسفة الثروة وأعانه على نفسه، فطبقها على نفسه وبنفسه، بحماس وسعادة بالغين، حين أعلن عن تبرعه بنصف كل ما يملك لصالح الاقتصاد المصرى والمشروعات الصناعية والاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، وأريد أن أؤكد أن الرجل الآن، وإن كان بمنطق رجال الأعمال إياهم قد خسر نصف ثروته إلا أنه قد كسب أضعاف أضعاف ثروته، فيكفيه سعادته الغامرة وهو يرى ثروته تفتح آلاف وعشرات الآلاف من البيوت وتعمرها وتسهم فى التعمير وتحسين اقتصاد بلده.. ويكفيه سعادة يوم الحساب الذى هو آتٍ لا ريب فيه، والمولى سبحانه وتعالى يجزيه خير الجزاء. وأنا بالمناسبة لا أمانع أن يشترى أحدهم شقة فى مانهاتن بنيويورك ب70 مليون دولار، ولا أن يقوم أحدهم بتهريب مئات الملايين من الدولارات خارج مصر بعد ثورة 25 يناير، ولا أن يتربح الكثيرون من مئات الملايين من الحصول على أراضى الدولة بالمحسوبية بملاليم وتسقيعها وبيعها بعد ذلك بمئات الملايين.. فقط أرجو منهم «هداهم الله» أن يقتدوا بأمثال محمد الأمين، وأن يتذكروا قول الله سبحانه وتعالى «وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ * الَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِى الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ» (سورة الهمزة).. وقوله سبحانه وتعالى: «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة: 274) وقوله كذلك: «مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (البقرة: 245) والآيات كثيرة وكذلك الأحاديث حول جزاء من ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله، ولا ريب أن التبرع لتحسين اقتصاد البلاد وانتشاله من عثرته هو إنفاق فى سبيل الله.. وكل التقدير والإجلال لرجل الأعمال محمد الأمين على حسه الوطنى والدينى والإنسانى شديد التميز، ولحسن فهمه واستيعابه للمعنى الحقيقى والجوهرى لفلسفة الثروة.. والله سبحانه وتعالى من وراء القصد..