أنين الحزن ينتشر في كل مكان، تحولت فرحة حلول شهر رمضان لحسرة وألم تملأ نفوس الأهالي بعزبة الحمايدة التابعة لقرية الديدامون بالشرقية التي ارتدت الحداد مودعة شهيد مجرزة رفح الثالثة. داخل منزل متواضع من الطوب النيئ، وعرش خشبي تتخلل من بين ألواحه أشعة الشمس جلست والدة الشهيد يلتف حولها سيدات القرية يلتحفن بالسواد وصوت نحيبهم وبكائهم لا يقطعه سوى صوت القرآن الكريم من جهاز راديو صغير مثبت بحبل أعلى كرسي خشبي. "أنا مش عاوزه غير القصاص والسيسي ياخد حق كل اللي استشهدوا ويعدم الإرهابيين في ميدان عام واللي قتل يقتل"، ظلت السيدة "فايقة السيد علي"، والده الشهيد محمد جمال راتب (20 عامًا) تردد تلك الجملة رافعة يدها للسماء تدعو الله عز وجل أن يعيد لها حق زهرة حياتها التي طالتها يد الغدر وأضافت لها لقب "أم المرحوم". السيدة الأربعينية بدت أكثر تماسكًا وإيمانا بالله والقضاء والقدر، فعلى الرغم مما يعصف بقلبها من آلام وحزن طالبت السيدات ألا يصرخن بصوت عالٍ قائلة "ابني شهيد في الجنة". تتذكر الأم لحظات وداع ابنها الأكبر قائلة "ابنى كان في إجازة وقعد معانا 10 أيام، وسافر امبارح الصبح الساعة 11 وكان طالع يجري خايف ليتأخر بس كان حزين"، وتتابع: "كان قلبي مقبوض عليه أصل الإرهابيين موتوا زمايله في شهر رمضان اللي فات برضه"، وتتوقف الأم عن الحديث لتنخرط في حالة من البكاء الهستيرى مرددة "ذنبهم أيه يا كفرة". أما والد الشهيد فجلس طريح الأرض لا يقدر على الحركة أو الحديث مكتفيًا بترديد عبارات "يا رب صبرني، الله يرحمك يا حبيبي". وداخل غرفة الشهيد التي لم يكن هناك سوى سرير خشبي قديم، بجواره عدد من الأطباق والأواني وبابور غاز لاستخدامه في الطهى، جلس شقيق الشهيد الأصغر وائل (14 عامًا) ينخرط في حالة من البكاء وهو يطالب بالقصاص لشقيقه، قائلًا: "عاوز حق أخويا وربنا يرحمه كان أبويا التاني". يلتقط عصام السيد زوج شقيقه الشهيد طرف الحديث قائلا "الشهيد كانت فترة تجنيده بقطاع الأمن المركزي برفح 3 سنوات قضى منها عام وثمانية أشهر، وكان الابن الأكبر لوالديه والمسؤول عن رعاية أشقائه وهم (وائل - 14 عاما، وإسماعيل - 17 عامًا) ووالده ووالدته، لافتًا إلى أن والده عامل باليومية ومصاب بمرض بقدميه ما يجعله غير قادر على العمل بشكل متواصل. وأضاف أنهم علموا بنبأ استشهاده من أحد زملائه، ونظرًا لظروف الأسرة المادية الصعبة لم يستطعوا الذهاب لرفح عقب الحادث، لافتًا إلى إنهم انتظروا وصول الجثمان للقرية بصحبة زملائه. كان محمد جمال راتب، استشهد وثلاثة آخرين على أيدى مسلحين إرهابين استهدفوا سيارة مدنية كان يستقلها الشهداء في طريق عودتهم للعمل بقطاع الأمن المركزي عقب انتهاء إجازتهم حيث أجبروهم على النزول من السيارة بعد التأكد من هويتهم وأطلقوا عليهم الأعيرة النارية.