«غشاشون فدائيون».. هكذا وصف طالب فى الثانوية العامة تصوره عن الفدائية عندما نشر تغريدة «هاشتاج» تقول: «عزيزتى الوزارة، أحب أقولك إن إحنا مش شخص واحد، إحنا 30 ألف شخص، بالغش اتجمعنا وبالهاشتاج نجحنا». هكذا يحوّلون النقيصة إلى بطولة والباطل إلى حق والجريمة إلى فعل عادى مع سبق الإصرار والفخر. وللأسف، عدد غير قليل من الأجيال الجديدة الحاملة لآثام نظام تعليمى غير صالح للاستهلاك المعرفى والتربوى وضحايا التلقين الذى يقضى على ملكات التأمل والإبداع والتفكير والتساؤل والتجريب والبحث، لن يكونوا فقط غير قادرين على التعامل فى سوق العمل، لكنهم على المستوى الإنسانى يعيشون بأخلاق وسلوكيات رديئة تعتبر أن الغش حالة طبيعية للوصول إلى المجموع أو للحصول على وظيفة ولا تعتبر أن الغش جريمة. نجرّم التحرش، وهو نتيجة لسيادة ثقافة الغش والفهلوة ولاختلال العملية التعليمية بكامل حلقاتها، وبالتالى اختلال المجتمع بأفراده وجماعاته ومؤسساته. نجرّم الفساد ونحن زرعناه باستحلال وسيادة «ثقافة الغش». المجتمع الذى ينتشر فيه الغش مجتمع سقطت فيه قيم كثيرة، أهمها: الصدق والعدالة واحترام العمل الجاد وجعله وسيلة للارتقاء فى السلم العلمى والمهنى والاجتماعى، وهو مجتمع أصبح ضميره العام معتلاً فأصبح لا يستنكر مثل هذه الظواهر بل يراها أموراً بسيطة. التوصيف الدقيق هو للدكتور محمد المهدى، أستاذ الطب النفسى، الذى أضاف: والطالب حين يمارس الغش منذ صغره فإنما هو يتعلم هذا السلوك بكل تفاصيله، وفى كل عام يتفنن فى وسائل جديدة للغش، مما يكسبه مهارات سيكوباتية تتراكم معه مع الزمن حتى إذا كبر صار سيكوباتياً كبيراً يخدع الناس ويسطو على حقوقهم دون أن يتمكنوا من فضحه أو إيقافه عن ذلك؛ لأنه يكون مسلحاً بقدرات غير عادية اكتسبها على مدار السنين من خبرات الغش المدرسى والغش الحياتى، وربما يصل هذا الغشاش الذكى الطمّاع السيكوباتى المحترف إلى مناصب قيادية تمكنه من نشر قيمه ومفاهيمه على مستوى أوسع فى المجتمع، وبهذا يهيئ وجود قواعد أخلاقية فاسدة تحتمى بقشرة زائفة من الأخلاق الواهية يخدع بها الآخرين. ومع تزايد أعداد الغشّاشين فى مواقع مختلفة، نجد أن المجتمع يصبح مخترقاً ومهلهلاً وقائماً على أخلاق نفعية انتهازية غير أخلاقية، وربما يكون التبرير لهذا التدهور الأخلاقى أن الحياة العصرية تستلزم المرونة والتعامل بواقعية وأن ما دون ذلك هو المثالية الرومانسية التى لا تصلح للحياة اليومية بتعقيداتها.. وهكذا يتدهور الميزان الأخلاقى للمجتمع ككل تحت دعوى الأمر الواقع الذى فرضه مجموعة من الغشّاشين الذين سكت عن غشهم المجتمع أو تواطأ معهم فيه. وفى المقابل، نجد المكافحين والجادين والصادقين يكابدون مصاعب جمة؛ حيث أصبحت المنظومة الاجتماعية فى صالح الكذّابين والمنافقين والمخادعين واللصوص ومن يدور فى فلكهم أو ينتفع منهم، وبهذا تسقط أو تضعف مع الوقت تلك الرابطة المقدسة بين العمل وقيمة العائد، فتنتشر قيم الفهلوة والنفاق والخداع. هل ظن أحدنا فى يوم من الأيام أن الغش فى الامتحانات له كل هذه الأبعاد المخيفة؟ وإذا كنا قد ظننا ذلك، فلماذا تواطأنا بالسكوت أو بالضعف فلم نقاوم هذا الوباء المستشرى فى بلادنا والذى يفرخ لنا كل يوم فاسدين محترفين يهددون قيم المجتمع ويشوهون فطرته؟ إدانة وتجريم الغش بكل أشكاله اجتماعياً وقانونياً بداية الإصلاح إن أردنا لهذا الوطن خيراً وإصلاحاً وصلاحاً.