بناء على تحريض مباشر من قبَل «حازم أبوإسماعيل» احتشد الآلاف من أنصاره فى ميدان التحرير احتجاجاً على استبعاده من انتخابات الرئاسة بناء على تطبيق دقيق لصحيح القانون. ثم زحفت الجماهير الحاشدة التى تملكتها الهلاوس الدينية التى جعلتها تعتقد أن «أبوإسماعيل» ولى من أولياء الله سبحانه وتعالى إلى ميدان العباسية للاعتصام أمام مبنى وزارة الدفاع، رافعين شعارات غوغائية أهمها إلغاء اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة، وإلغاء المادة 28 التى تحصن قراراتها من الطعن عليها. ومعنى ذلك أنها كانت محاولة متعمدة لتخريب مسار الخطوة الأخيرة من المرحلة الانتقالية، وهى عقد الانتخابات الرئاسية فى موعدها تمهيداً لتسليم المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة كما وعد فى 30 يونيو 2012. وهذا الاعتصام التخريبى الذى انضمت إليه، للأسف الشديد، تيارات ثورية مزعومة مدعية أنه مجرد اعتصام سلمى، تحول لمحاولة إجرامية لاقتحام مبنى وزارة الدفاع، مما ترتب عليه ضرورة فض الاعتصام بالقوة وفرض حظر التجول لعدة ساعات كل يوم. وتصاعدت صيحات المنافقين من أنصار المظاهرات الحاشدة والاعتصامات الفوضوية، شاكية من فض الاعتصام بالقوة. واختفى «أبوإسماعيل» من على خشبة المسرح مدعياً إصابته فى قدمه، وقال فى التعليق على الاعتصام الذى دعا إليه وترتب عليه سقوط قتلى ومصابين إنه مجرد «انفعال شعبى»! ثم ظهر الرجل فجأة فى درسه الأسبوعى فى المسجد الذى يخطب فيه، ودعا أنصاره -كما نشرت جريدة اليوم السابع- أن يصوتوا له حين يتوجهون إلى صناديق الاقتراع، على أساس أن يكتب كل واحد من أنصاره اسم «أبوإسماعيل» ويضع الورقة فى الصندوق، جنباً إلى جنب الورقة التى فيها اسم المرشح الذى اختاره! وحين كذّب «أبوإسماعيل» الجريدة، نشرت على موقعها الإلكترونى فيديو يتضمن عباراته وتعليماته كما أوردتها الجريدة. ما هذا السلوك السياسى البائس، الذى يكشف عن رغبة مرضية فى تولى رئاسة جمهورية مصر بالعافية والبلطجة؟ غير أن بقية القصة تؤكد علامات دالة على التخلف الثقافى العميق لدى أنصار «أبوإسماعيل» الذين تحلقوا حول سيارته حين غادر المسجد وكانوا «يلعقون» جسد السيارة للحصول على بركة الشيخ! وإذا انتقلنا إلى واقعة أخرى تمت فى محاكمة «مرتضى منصور» تتبين خطورة الاعتداء على هيبة القضاء والتى أصبحت ممارسة معتادة من قبل عديد من جماهير المحاكم. حدث ذلك فى محكمة جنايات القاهرة التى كانت تنظر قضية قتل المتظاهرين فى 2و3 فبراير، والتى عرفت إعلامياً «بمعركة الجمل»، حيث هتف أنصار «مرتضى منصور» ضد القاضى قائلين: إرحل إرحل! وهكذا يُستكمل مخطط محاولة إسقاط الدولة المصرية بعد أن أُسقطت الشرطة ولم يبق سوى الجيش والقضاء. غير أن ثقافة التخلف لم تقف عند حدود الجماهير الحاشدة الجاهلة التى لم تتلق الحد الأدنى من التربية والتعليم مما يسهل لأى سياسى غوغائى أن يسوقهم كالقطيع للأسف الشديد، ولكنها تجلت أيضاً فى التصريحات التى يطلقها كل يوم قادة جماعة «الإخوان المسلمين». وقد نشرت جريدة «روزاليوسف» فى 14 مايو 2012 موضوعاً نُص فيه على أن أخوات الإخوان أكدن أن مرشح الجماعة لرئاسة الجمهورية الدكتور «المرسى» مدعوم من الله عز وجل، لأن الله قدّر له أن يكون مرشح «الإخوان المسلمين»! ومن ناحية أخرى شنت الجماعة هجوماً عنيفاً على الإعلام متهمين إياه بأنه إعلام مزور، ووصف الفنان «وجدى العربى» الإعلاميين بأنهم «كهنة وسحرة المعبد»! وهو بذلك يستعيد الوصف الذى أطلقه المرشد العام الدكتور «بديع» بأن الإعلاميين هم سحرة فرعون. من الأمثلة السابقة يتبين خطورة التأثيرات السلبية للتخلف الثقافى على الممارسة السياسية الصحيحة فى السياق الديمقراطى الذى يتطلع الشعب بعد ثورة 25 يناير إلى ترسيخ قواعده من خلال نشر ثقافة الديمقراطية. وثقافة الديمقراطية تقوم على الحوار السياسى وعدم الإقصاء والاعتراف بالآخر، وعدم ممارسة ديكتاتورية الأغلبية، والامتناع عن محاولة الاستئثار بكل مؤسسات الدولة تشريعية وتنفيذية ورئاسية. غير أنه يبدو أن الخلط بين الدين والسياسة يمكن أن يولد ممارسة سياسية متخلفة غاية التخلف، من شأنها تعويق التطور التنموى للبلاد. وليس أدل على ذلك مما أوردته جريدة «الأهرام المسائى» فى عددها الصادر يوم 14 مايو من أن مجلس الشعب أجّل الموافقة على قرض من البنك الدولى قيمته 300 مليون دولار مخصص لمشروعات الصرف الصحى، بشبهة أن فوائد القرض هى ربا محرم مما يخالف شرع الله! ومعنى ذلك، بكل بساطة، أن نواب الشعب من الإخوان والسلفيين يجهلون تماماً قواعد التعامل الاقتصادى الدولى ويسدون - بناء على تفسيراتهم الخاطئة لموضوع الفوائد- الباب أمام إقامة المشروعات الاقتصادية الكبرى التى عادة ما يلجأ عديد من الدول إلى الحصول على قروض ومنح من المؤسسات الدولية لتمويلها. وهكذا تضاف آفة التخلف الثقافى إلى مصيبة التخلف السياسى!