شاء القدر أن تكون المحكمة الدستورية العليا بوابة عبور لرؤساء مصر بعد ثورتين فى 3 أعوام، حصلوا منها على شرعيتهم كرؤساء للجمهورية، أقسموا أمام قضاتها من أعضاء الجمعية العامة اليمين الدستورية الذى نص عليه الدستور، وبدون تأديته لا يستطيع أى رئيس منتخب أن يمارس مهامه فى حكم البلاد أو يجلس على كرسى الحكم، مهما كان حجم الأصوات التى امتلأت بها صناديق الانتخابات لصالحه. وبدونه سيكون الرئيس المنتخب «رئيساً مع إيقاف التنفيذ» لأنه وفقا لنص الدستور فإن اليمين الدستورية للرئيس تكون أمام مجلس النواب، وفى حال عدم وجوده يؤديها أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا. عقب ثور 25 يناير 2011 أدى الدكتور محمد مرسى، الرئيس المنتخب، اليمين الدستورية فى 30 يونيو 2012 بعد فوزه فى الانتخابات الرئاسية على منافسه الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء فى عهد «مبارك»، أمام المحكمة الدستورية بسبب غياب مجلس الشعب الذى تم حله بحكم للمحكمة الدستورية العليا فى 14 يونيو من ذات العام، أى قبل 16 يوماً من أداء «مرسى» يمين الرئاسة. وفى 30 يونيو 2013 سقط «مرسى» ونظام الإخوان بثورة شعبية مماثلة لثورة 25 يناير التى أسقطت نظام «مبارك»، وفى 4 يوليو أدى المستشار عدلى منصور رئيس المحكمة الدستورية اليمين كرئيس للجمهورية بناءً على مطالب «ثوار يونيو»، وفى الوقت ذاته أدى اليمين كرئيس لها قبل أن يؤدى يمين الرئاسة. وبعد أيام يؤدى أمامها المشير عبدالفتاح السيسى اليمين الدستورية كرئيس منتخب للجمهورية، ليصبح بذلك ثالث رئيس يقف أمام «قضاة المحكمة»، وتصبح المحكمة خلال 3 أعوام قبلة لرؤساء الثورات. دخلت المحكمة الدستورية فى صدامات عديدة مع أنظمة الحكم المختلفة منذ اللحظة الأولى لميلادها 1969، بدءاً من محاولة تسييسها من قبل الرئيس جمال عبدالناصر الذى أصدر قانون إنشائها، مروراً بالرئيس حسنى مبارك الذى شهد عهده محاولات عديدة للاعتداء على المحكمة، برزت خلال السنوات العشر الأخيرة من حكمه، عندما بدأ فى مخالفة الأعراف القضائية وتعيين رئيس للمحكمة من خارجها دون الالتزام بمعيار الأقدمية، فى محاولة منه للسيطرة على المحكمة، لكنه فشل. وكان الاعتداء الأكبر على أفضل ثالث محكمة دستورية فى العالم فى عهد الإخوان، حيث حاولت الجماعة من خلال نوابها بمجلس الشعب إجراء تعديلات على قانونها لتقييدها، ثم كانت المحاولة الأخيرة بتقليص عدد أعضائها فى الدستور الذى وضعته الجمعية التأسيسة أثناء حكم الإخوان، وما تبعه من محاصرة المحكمة لمنعها من نظر طعون تطالب بحل الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى، بعد حلها لمجلس الشعب. لم يكن الحصار من خلال الاعتصام أمامها لمنع دخول أعضائها فحسب، إنما حصار آخر فرضه الرئيس المعزول محمد مرسى فى إعلانه الدستورى فى 22 نوفمبر 2012 بتحصين قراراته ومجلس الشورى والجمعية التأسيسية من الحل بالرغم من وجود طعون على كل من مجلس الشورى والجمعية التأسيسية كانت ستنظرها المحكمة الدستورية.