كان يوم انتخابه رئيساً لوزراء ليبيا يوماً لن ينساه التاريخ، لأنه اليوم الذى شهد مقتل السفير الأمريكى كريستوفر ستيفنز، لتلطخ الدماء العلاقات الغربية العربية لأول مرة منذ اندلاع ثورات الربيع العربى. إنه مصطفى أبوشاقور (61 عاماً) الرجل المقرب من الإسلاميين الذى انتخبه المؤتمر الوطنى العام فى الجولة الثانية التى جرت فى جلسته المسائية أمس الأول ليصبح رئيساً للحكومة المؤقتة الجديدة التى تتسلم مهامها من حكومة الدكتور عبدالرحيم الكيب، وذلك بعد حصوله على 96 صوتاً من أصوات أعضاء المؤتمر البالغة 191. فبينما كان الليبيون يستعدون لاختيار رئيس وزرائهم، استيقظوا صباح أمس الأول على أنباء قصف السفارة الأمريكية فى طرابلس بالصواريخ ومقتل السفير الأمريكى الذى راح ضحية غضب المتشددين الإسلاميين من عرض فيلم مسىء للرسول (صلى الله عليه وسلم) فى الولاياتالمتحدةالأمريكية. لذا كانت أول جملة يكتبها أبوشاقور أمس الأول على حسابه الخاص على موقع «تويتر» الاجتماعى فى ظل هذه الأحداث المؤسفة التى يتبرأ منها الإسلام الحق: «أستنكر هذا العمل الجبان والإجرامى الذى تعرضت له قنصلية الولاياتالمتحدة فى بنغازى وقتل السفير ورفاقه»، ليبدأ صفحته كرئيس وزراء لليبيا بحدث قد يغير من شكل العلاقات الأمريكية مع دول الربيع العربى، لتتحول من التقارب إلى التباعد، وتفتح الطريق لعودة مصطلحات مثل «الإرهاب» و«الإسلاموفوبيا»، التى كانت قد اختفت مع صعود الإسلاميين للحكم فى المنطقة. لم ينتخب أبوشاقور، الذى ولد فى مدينة غريان من المرة الأولى، فسخونة الأحداث لم تكن فقط خارج قاعة المؤتمر حول السفارة الأمريكية بل أيضاً داخل القاعة، التى كان يتنافس فيها مع محمود جبريل الليبرالى وعوض البرعصى الإسلامى، ففى الجولة الأولى حصل جبريل على 86 صوتاً، فيما حصل أبوشاقور على 55 صوتاً والبرعصى 41 صوتاً، مما أدى إلى إعادة الانتخاب فى جولة ثانية انتصر فيها أبوشاقور، بحصوله على أصوات حزب العدالة والبناء المنبثق من الإخوان المسلمين بعد فشل مرشحهم فى الجولة الأولى. وأبوشاقور عاد إلى ليبيا فى مايو 2011 بعد 31 عاماً فى المنفى القسرى عندما كانت طرابلس لا تزال تحت سيطرة الزعيم الراحل معمر القذافى، فأقام فى بنغازى مهد الثورة وعين مستشاراً لدى المجلس الوطنى الانتقالى، الوجه السياسى للثورة. إلا أن حياته فى المنفى بعد أن هاجر للولايات المتحدة فى الثمانينات بسبب معارضته لنظام الزعيم الراحل العقيد معمر القذافى جعلته صاحب سجل مهنى حافل، فهو حاصل على بكالوريوس الهندسة الكهربائية من جامعة طرابلس، وتلقى دراساته العليا بالولاياتالمتحدة حيث حصل على الماجستير والدكتوراه من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا وهى الجامعة المصنفة الأولى فى العالم فى سنوات عديدة، وعمل أستاذاً فى هندسة النظم الدقيقة وأستاذ الهندسة الكهربائية والإلكترونية فى جامعة روتشستر للتكنولوجيا بالولاياتالمتحدة، وأيضاً شارك فى برنامج وكالة الفضاء الأمريكية وتعاون مع البنتاجون. والآن بعد أن أصبح رئيساً للوزراء مطلوب منه وبأقصى سرعة وضع حلول عاجلة لتوفير الأمن، فمقتل السفير الأمريكى وثلاثة من موظفى السفارة ليست الحادثة الأولى التى تشير بوضوح للقصور الأمنى لدى النظام الليبى منذ اندلاع الثورة ضد القذافى فى فبراير 2011، ولكن الأبعاد السياسية للحادثة دقت ناقوس الخطر لما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط من انفلات أمنى. وإذا كان الملف الأمنى يأتى على رأس الملفات التى تسلمها أبوشاقور فإن هناك أيضاً مجموعة من القضايا الرئيسية الأخرى كالاقتصاد والجانب الاجتماعى والمصالحة الوطنية التى تحتاج لقرارات حاسمة لإعادة بناء ليبيا الجديدة.