تحتفل منظمة اليونسكو فى الثالث من مايو من كل عام باليوم العالمى لحرية الصحافة، وتركّز احتفال هذا العام على ثلاث قضايا مترابطة هى أهمية الإعلام فى التنمية الشاملة، وتوفير الحماية القانونية للصحفيين، وتعزيز وحدة وسلامة الصحفيين. وتسعى مصر بعد انتهاء الاستحقاق الثانى من خريطة الطريق بانتخاب رئيس الجمهورية بناء على انتخابات تنافسية حرة ونزيهة فى استكمال مرحلة التحول الديمقراطى، أى الانتقال من النظام السلطوى الشمولى الذى كرّس للاستبداد السياسى فى النظام الأسبق، والاستبداد الدينى فى النظام السابق إلى نظام ديمقراطى حقيقى ينعم فيه كافة المواطنين بالمساواة الكاملة بغضّ النظر عن الجنس أو اللون أو العرق أو الانتماء السياسى أو الدينى، ويتطلب ذلك إحداث تغييرات عميقة فى إعادة توزيع مناطق السلطة والنفوذ، حيث تقتضى متطلبات التحول الديمقراطى وجود إرادة سياسية حقيقية -وأتصور أنها موجودة بالفعل- والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة، فضلاً عن دعم دور المجتمع المدنى، فالهدف من التحول الديمقراطى هو بلوغ الحكم الرشيد، والحكم الرشيد هو حجر الزاوية فى تحقيق التنمية المستدامة، والحكم الرشيد هو الذى ينبنى على المشاركة بمعنى قدرة الجمهور على الانخراط فى العملية السياسية، وسيادة القانون من خلال العدالة فى تطبيق المعايير على كافة الأفراد دون تمييز، واللياقة بمعنى تطبيق القواعد والقوانين بطريقة لا تنطوى على إهانة أو حط من كرامة المواطنين، والمحاسبة بمعنى قدرة المواطنين على مساءلة المسئولين عن أفعالهم، والشفافية باعتبارها قضية وثيقة الصلة بالتنمية، حيث إن افتقاد الشفافية يزيد من فرص تنامى الفساد، وهى واحدة من أصعب القضايا التى يجب على الدولة مواجهتها. وتُعد وسائل الإعلام من أهم القطاعات الفاعلة والمؤثرة على تحقيق الحكم الرشيد، حيث تتيح وسائل الإعلام، إذا كانت تنعم بالحرية والاستقلالية والتعددية والتنوع، قدرة كبيرة للأفراد للتعبير عن أفكارهم وآرائهم، والمشاركة فى الحياة العامة، ومراقبة أداء السلطة الحاكمة، وتتطلب حرية وسائل الإعلام ضمان حق الإعلامى فى الوصول إلى المعلومات والحصول عليها من مصادرها، ومعاقبة المسئول الذى يتعمد حجب المعلومات، وحرية إصدار الصحف، وحظر الرقابة والتقييد بكافة أشكاله، وحرية التنظيم المهنى والنقابى للعاملين فى الإعلام المسموع والمرئى والإلكترونى، ووجود ضمانات قانونية لحماية حرية التعبير من تجاوزات الحكومة وسيطرة أصحاب الأعمال، ومنع الممارسات الاحتكارية لملاك وسائل الإعلام الخاصة. والإعلام يمكن أن يكون قاطرة مهمة للتنمية الشاملة إذا حرص على إتاحة حرية التعبير لكافة المواطنين، وإذا ما تحرر من كافة القيود الحكومية وسيطرة رأس المال الاحتكارى فى تزاوجه مع السلطة، وإذا ما حرص على إتاحة التعدد والتنوع الذى يعكس كافة القوى السياسية والمجتمعية، كما يجب أن تبذل وسائل الإعلام الكثير من الجهد لدفع قوى المجتمع لتقليل معدلات الفقر، والفقر لا يعنى الافتقار إلى الموارد فقط، وإنما يمتد إلى الافتقار إلى التمكين، فمن المهم إتاحة جودة المعلومات للفقراء، وإتاحة منصات للتعبير عن أصواتهم وأفكارهم، ويمكن أن يبرز دور الإعلام فى تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين، ونبذ العنف الموجّه ضد المرأة، وكذلك تمكين الشباب من خلال نقل أصواتهم والتعبير عن مشكلاتهم وآمالهم عبر المنصات الإعلامية، وتكريس سيادة القانون كمبدأ لنظام الحكم يعنى خضوع كل الأفراد والمؤسسات والكيانات العامة والخاصة للمساءلة والمحاسبة، والمساواة فى تطبيق القانون من خلال قضاء مستقل يلتزم بمعايير حقوق الإنسان الدولية، وتوفير الأمان والحماية للصحفيين والإعلاميين فى مواقع الأحداث، وتسهيل عملهم باستقلالية ودون خوف أو تهديد بالقتل أو التنكيل، وأخيراً توفير سبل الإعلام المجتمعى جنباً إلى جنب مع الإعلام الرسمى والإعلام الخاص لتمكين الفقراء والمهمشين من طرح أفكارهم، ودمجهم فى الحوار المجتمعى لدفع قاطرة التنمية.