تعددت لقاءاتى مع المشير عبدالفتاح السيسى خلال اجتماعات المجلس العسكرى مع القوى السياسية فى المرحلة الانتقالية الأولى، وكان وقتها يشغل موقع مدير المخابرات الحربية، وكان يجلس يتابع ما يدور من حوارات فى صمت عميق يتحدث بقليل من الكلمات التى تحوى معلومات عند طلب المشير محمد حسين طنطاوى.. وفى بعض الأحيان كنت أتحدث معه للحظات بعد انتهاء الاجتماع لمحاولة فهم شخصية هذا الرجل من باب محاولة فهم التركيبة الإنسانية والشخصية لرجل المخابرات الحربية الأول، وفى كل مرة كنت أخرج من الحديث خالى الوفاض، فالرجل قليل الكلام، يزن كلماته بميزان من الذهب، يحسب كل حرف يقوله، وليس كل كلمة، يتمتع بتواضع شديد وود ممتد.. إلا أننى وبعد تولى «مرسى» وتنصيب «السيسى» وزيراً للدفاع، عقب المشير طنطاوى، انتابنى الحزن لهذه الطريقة غير اللائقة فى الإطاحة بالمشير والفريق عنان من قبَل المعزول «مرسى»، وحضرت أول اجتماع مع «مرسى» عقب أحداث رفح الأولى، حينما دعا قيادات الأحزاب للقائه لشرح أبعاد قراره، وكان يحضر اللقاء المشير السيسى كوزير دفاع، واللواء أحمد جمال الدين كوزير داخلية، وعندما جاءتنى الكلمة هاجمت «مرسى» هجوماً شديداً، مؤكداً أنه استغل الحادث للإطاحة بالمشير والفريق تمهيداً لأخونة الدولة المصرية والاستيلاء عليها، وأخبرته أن المصريين لن يقبلوا بذلك، وأتذكر وقتها أن القيادى الإخوانى عصام العريان كان فى شدة الغضب مما قلت، وجاءنى بعد الاجتماع وأنا بصحبة الصديق معتز محمد محمود وأعرب لى عن غضبه مما قلته لمرسى وأن هذا لا يليق فى مخاطبة رئيس الجمهورية فقلت له إذا كان الرجل لم يغضبه الكلام فهل تغضب له أنت بالوكالة؟!.. خلاصة لقاءاتى مع «السيسى» قبل 30 يونيو كوّنت لدىَّ انطباعات عن الرجل بأنه رغم وطنيته ونقائه وتواضعه فإنه فى الآخر يمارس دوره كموظف بالدولة يلتزم بتعليماتها وبمؤسساتها الحاكمة، ولكن الأحداث التى بدأت تدور قبل 30 يونيو جعلتنى فى كل لحظة أترقب رد فعل الجيش بقيادة المشير السيسى، وكنت أراهن على أن الجيش المصرى لن ينحاز لأحد غير الشعب المصرى عند حدوث التصادم الأكبر، وأنه لن يترك مواطنيه لقمة فى فم الإخوان تمضغ بسهولة ويسر ويبتلع بعدها وطن بأكمله.. المهم أننى كنت من أوائل المطالبين بضرورة ترشح المشير السيسى للانتخابات الرئاسية من واقع تلامسى مع الشارع المصرى ومعايشتى لهذا التوافق على شخصه لدى القطاع الأكبر من المصريين وإدراكى أن مصر فى ظل ما هى مقدمة عليه من أزمات فى حاجة لرئيس يتحمل معه الناس هذه الظروف الصعبة، وهذا ما تأكدت منه خلال جولاتى بمؤتمرات جماهيرية لدعم ترشحه للرئاسة فى عدد يتجاوز 15 محافظة.. كل ما سبق دار كشريط أمام عينى أثناء حضورى لقاء المشير السيسى بالأحزاب السياسية وسمعته فى حوار مباشر لمدة تجاوزت الساعتين تأكدت بعدها أننا أمام مشروع رئيس قادم قوى وفاهم وحازم.. مدرك لأهمية وقيمة ممارسة الحرية بقدر إدراكه لأهمية حماية الوطن من الممارسات الخاطئة والهادمة تحت لافتة الحرية.. ملم بجميع تفاصيل مشكلات الوطن ولديه رؤية واضحة لكيفية التعاطى مع هذه المشكلات ولديه فهم ووعى بكيفية توظيف قدرات مصر السياسية والتاريخية فى استعادة وضع مصر الإقليمى.. إضافة إلى وجود رغبة حقيقية لدى الرجل فى تحقيق الاستقلال الوطنى وإنهاء زمن التبعية المصرية لدولة أو أخرى.. المشير السيسى تحدث فى عدد من النقاط التى رسمت بوضوح ملامح شخصيته التى جعلتنى أخرج من اللقاء متفائلاً ومتجاوزاً أغلب نقاط القلق على مستقبل هذا الوطن.. فلقد تحدث عن اهتمامه بضرورة تمكين الشباب بشكل موضوعى بعد تأهيله لإشراكه بحركته وديناميكيته فى حل مشكلات الدولة، وأكد نيته تنظيم دورات لصقل الشباب وإعداده عن طريق أكاديمية ناصر ومعهد الدفاع الوطنى والعمل على عملية تجديد النخب الحاكمة وتحريك الصفوف الراكدة لدمج الشباب فى العقل الجمعى للدولة.. «السيسى» تحدث أيضاً عن ضرورة تجديد الخطاب الدينى الصلب، واصفاً الخطاب الدينى بأنه كائن حى يجب أن يتعايش مع الناس ويأخذ من الإسلام يسره وسماحته وليس مجرد التحريم والتحذير، يأخذ من الإسلام تعاليمه وسلوكياته المتحضرة وليس الكذب والالتفاف.. المشير أوضح أيضاً انزعاجه من هذا العدد من الأحزاب والحركات ونصح بالائتلاف والاندماج وتوحيد الفكر، مؤكداً أنه فى حاجة إلى ظهير فكرى وليس سياسياً، ظهير تجمعه فكرة دفع الوطن للأمام وإعلاء المصلحة الوطنية وتغليبها على المصالح الحزبية الضيقة.. «السيسى» أشار إلى اقتناعه بأهمية دور الإعلام، مشيراً إلى أنه يريد أن يدرك الإعلام خطورة دوره ويعمل على تعبئة الوعى الشعبى لصالح الوطن وليس لصالح رئيس أو شخص.. الرجل ذهب فى حديثه إلى أماكن كثيرة، ولكن كل نقطة تؤكد أننا بعد أيام سيكون لدينا رئيس قادر على المرور بالوطن من نفق الشدائد والأزمات فى حالة نجاح رهانه على قدرات الشعب المصرى المنتجة والتى ستلتف حوله لتعمل وتضيف وتنتج وتحافظ على كل شبر فى أرض هذا الوطن.