طرق هادئ على الباب، تحرك الرجل بصعوبة وصوته يسبقه نحو بابه «ميييييين؟»، يصله صوتها هادئاً بارداً «افتح أنا ريهام سعيد»، تنير الكاميرا وجه الرجل بمجرد أن يفتح بابه «عايزين منى إيه»، فتلمع أسنانها بابتسامة صفراء «هو مش إنت اللى خدت لمبة السيسى؟». قررت الإعلامية الألمعية إجراء حوارها إلى جوار جسم الجريمة «لمبة السيسى الموفرة» المعلقة فى سقف الحجرة، جهز لها فريق إعدادها سلماً، تسلقته دون أن تغادرها الكاميرا، كلما صعدت درجة من درجات السلم، تنظر خلفها إلى الكاميرا، تشد بلوزتها القصيرة وتواصل الصعود، بعدها يصعد الرجل البسيط، ليجلس الاثنان معاً على مصطبة أعدها فريق الإعداد. بنظرة مباشرة فى عينى الرجل، سألته: إنت عارف إنك فقير؟.. رد وابتسامة بلهاء تسربت إلى وجهه «مش مهم أعرف، المهم البلد تعرف حال اللى زيى وتساعدنى»، توقف ريهام التصوير وتخاطب ضيفها الذى قفزت عليه كالقضاء المستعجل «لأ مش عايزة ابتسامات، المفروض تبقى حزين لأنك فقير، ممكن تعيّط وتحكى لنا على حياتك وفقرك، عشان الناس تيجى تساعدك»، لم ينتبه الرجل سوى لآخر كلماتها، يكاد يقذفها من فوق السقالة، لولا «المساعدة» التى ستأتيه عن طريقها، وافق وأعادت عليه السؤال وردَّ كما كانت تنتظر منه، فباغتته بالسؤال الثانى: إزاى وصلت للمبة السيسى؟، وبالطريقة المتفق عليها أجاب: «هى اللى وصلت لى، لقيت شباب زى الفل بيخبطوا علىَّ وبيدوها لى وركّبوها كمان»، تنظر ريهام إلى الكاميرا وبميلة رأس حفظها كل من تابع «صباياها» منذ بدايتها على «المحور» إلى كارثتها على «النهار» سألته بصوت خافت: «طب إنت عارف أن اللجنة العليا للانتخابات هتحرمك منها ومش هتشوفها تانى؟»، هنا قفز الرجل قفزة ثقة، متعلقاً فى اللمبة وصارخاً فى وجه محدثته «لأ إلا اللمبة، دى الحاجة الوحيدة اللى جت لى من غير ما أطلبها»، وحين همت بمغادرته دون أن تمنحه المساعدة المتفق عليها، قال لها بنبرة صوت تقترب من «اللمبى»: «أنا مش شايف أيتها صبايا ولا خير»، فردت عليه بانفعال بارد أيضاً «عارف أنا لو مش فى بيتك، كنت طردتك دلوقتى». انتهى الحوار، ولم تنته الظاهرة، فريهام سعيد لا تفنى ولا تستحدث من عدم، لم أسع طيلة حياتى للعمل كمذيعة، لكننى فعلتها، حين تسرب إلىَّ خيالى كابوس أن أحاور ريهام سعيد على الهواء، أتخيلها تجلس أمامى، يوماً ما سيحدث هذا، فمن جعل منها مذيعة، سيجعل منى محاورة، فروق بسيطة أراها بينى وبينها، صحيح أنها تتجاوزنى فى درجة الجمال، لكننى حتماً أتجاوزها فى القبول والثقافة والعمق والفهم وعدم الفتى فيما لا أعرف، وهذا يكفينى. لن أسألها عن ماضيها «فهو معروف للجميع»، ولا عن حاضرها فنحن نراه «صوت وصورة وعلى الهواء» ولا عن مواقفها السياسية على فرض وجودها، ولن أحاصرها فى أدائها التمثيلى الباهت غير اللافت، سأحدثها فقط عن الضمير، الذى يبدو وكأنه تم استئصاله فى إحدى جراحات التجميل التى أجرتها، وتظهر آثارها على الشاشة. أكره من يقتاتون على الفقراء والبسطاء، من يصعدون إلى النجوم قفزاً على رقاب الغلابة، أكره إعلامى الشحاتة والتسول، ولى عذرى، وأكره أيضاً من أعطى لهم الفرصة، من سمح لها فى البداية بمحاسبة متهم وسؤاله «إيه اللى رماك على الجريمة؟، ومن صفق لها حين تعنترت على أهالى أسوان وأيقظت «الفتنة النائمة» ظناً منها أنها تطفئها، ومن اعتبر طردها لملحدة من الاستوديو فعلاً شجاعاً تستحق عليه الإشادة.. كل هؤلاء مسئولون عن صناعة «الجريمة.. ريهام سعيد».