كلما اقترب موعد الامتحان تنتشر الفوضى بكل مكان بمنزل «عبدالرحمن».. يصرخ لأتفه الأسباب وتزدحم غرفته الصغيرة بالكتب والأقلام والألوان. يظل طوال اليوم يبحث عن ورقة سقطت من كتاب، كراس نسيه وحيداً فى حقيبته المدرسية التى يلقيها فى أى مكان.. يتذمر «عبدالرحمن» قائلاً: كيف سأنجز كل الدروس فى هذا الوقت القليل؟ تسخر ساعة الحائط وتقول: تغضب منى وتتهمنى بالكسل حين تتوقف عقاربى عن العمل، ولم تفكر مرة واحدة فى الاستفادة من الدقائق والساعات التى تمضى ولا تعود.. من تحت أكوام الكتب تنطلق صافرة القطار غاضبة.. أين القضبان؟ أحدها اختبأ وسط أوراق كتاب، والآخر تسلل لعلبة الألوان. يعلو بوق سيارة السباق التى يحبها «عبدالرحمن»، فقدت إطاراتها عندما ألقى بها فسقطت وسط الكتب وتهشمت فى ثوانٍ.. ويئن المكتب الصغير من كثرة الكتب والكراسات المكدسة دون نظام واللعب المتناثرة التى تتصارع فوقه بينما كان صندوق اللعب خاوياً يشعر بالراحة بعد أن غادرته اللعب لتتناثر فى كل الأركان.. ببطء وسط الكتب سار طابور من النمل بمجرد أن داعبته رائحة الفراولة التى تعلن عن وجودها فى قطعة حلوى نسيها «عبدالرحمن» وتاهت بين كراس الرسم وأقلام الألوان، ولأنه مثابر مجتهد، وصل النمل لكيس الحلوى ليحمله.. وفجأة شعر النمل ومعه كل الكتب واللعب بزلزال حين صرخ «عبدالرحمن»: أين القلم الفضى؟ من دونه كيف أذهب للامتحان؟ بحث عنه فوق المكتب، أسفله، فى صندوق اللعب، ولا أثر له فى أى مكان.. اشترى له والده قلماً يماثله تماماً، لكنه لم يقتنع ورفض أن يكتب به فى الامتحان.. دقت الساعة بعنف وقالت: أضعت ساعتين من وقتك يا «عبدالرحمن» بحثاً عن القلم، ماذا ستكتب به وأنت لم تذاكر بعد كل دروس مادة الامتحان؟ قال «عبدالرحمن»: المهم أن أعثر عليه وبعدها لا مشكلة فى الامتحان فكلما كتبت به نجحت وحصلت على أعلى الدرجات وحين نسيته كانت درجاتى أسوأ من كل عام. ضحك النمل ساخراً وانتشرت رائحة الفراولة فقال «عبدالرحمن»: أين كيس الحلوى؟ ضحكت نملة وقالت: كعادتك نسيت الكيس وتناثرت قطع الحلوى وكانت من نصيبنا نحن، تعبنا حتى عثرنا عليها وسط الكتب وجمعناها، فماذا جمعت أنت من معلومات بدلاً من القلم الذى تبحث عنه؟ خرج «عبدالرحمن» واتجه ناحية البستان، ربما نسى قلمه الفضى هناك.. جرى بأقصى سرعة حتى وصل، وهناك قابله «عم عمران» بلهفة، سأله: هل وجدت قلمى الفضى؟ كان «عم عمران» يعمل بمنتهى النشاط يقلب الأرض بالفأس وينقيها من الحشائش الضارة التى تضر بها، رد «عم عمران» مندهشاً وقال: من أجل قلم قطعت كل تلك المسافة من منزلك للبستان فى ليلة الامتحان؟! بحماس رد «عبدالرحمن»: القلم الفضى سر نحاجى يا «عم عمران»، لا أستغنى عنه، تماماً كالفأس التى من دونها تتوقف عن العمل.. قدم «عم عمران» ثمرة برتقال ل«عبدالرحمن» وربت على كتفه قائلاً بحنان: الفأس لا قيمة لها من دون اليد التى تكد وتعمل، والقلم لا قيمة له إلا فى يد طالب ذاكر واجتهد، فكما أن الفأس تقلب الأرض لتتفتح أجمل زهور الصباح، ينقل القلم أفكارك على الورق لتثمر أروع زهور النجاح. فى الطريق لمنزله، مر «عبدالرحمن» بالنهر الصغير ولمح شعاعاً فضياً.. اقترب من الصياد العجوز وقد تعلقت بصنَّارته سمكة فضية رائعة.. قال «عبدالرحمن» للصياد: ما أجملها! تذكرنى بقلمى الفضى.. بحبٍّ قدمها له الصياد قائلاً: هى لك، خذها.. قال «عبدالرحمن»: لا أريد السمكة وإنما قلمى الفضى سر نجاحى لا أستغنى عنه تماما كالصنارة التى من دونها تتوقف عن الصيد.. قال الصياد: الصنارة لا قيمة لها من دون صياد ماهر يتحلى بالصبر ويعرف متى وأين يلقيها فى الماء، تماماً كالقلم لا قيمة له من دون طالب مثابر يتحلى بالإصرار على التميز والتفوق.. ثق بقدرتك على النجاح يا «عبدالرحمن». فى الطريق، مدت الشمس شعاعها الذهبى الذى لمس وجه «عبدالرحمن» فنظر للسماء واتسعت ابتسامة الشمس ورافقه الشعاع حتى وصل للمنزل بأمان.. بحماس راجع «عبدالرحمن» دروس الامتحان وساعدته اللعَب فى ترتيب المكتب وأطل القلم ببريقه الفضى بفرحة، قال له «عبدالرحمن»: بحثت عنك فى كل مكان. قال القلم: أنا أيضاً انتظرتك يا «عبدالرحمن»، من دونك لا قيمة لى.. فى يدك أشعر بالحياة.. معك يغمرنى نور العلم وفرحة النجاح. أطل ضوء القمر الفضى قائلاً: هيا إلى النوم يا «عبدالرحمن»، غداً يوم الامتحان يُكرم فيه المرء أو... بإصرار قال «عبدالرحمن»: من يتهاون فى واجبه يُهَن، وأعدك يا قلمى أن أظل نشيطاً مجتهداً ناجحاً على الدوام.