تظهر صورة تعود لعام 1975 اللاجئة الفسطينية فتحية سطاري، بعينين واسعتين يملؤهما القلق، وهي تقدم رضيعها الذي يعاني من سوء التغذية إلى طبيب في عيادة تديرها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة "الأونروا". الصورة هذه هي واحدة من 525 ألف صورة في أرشيف الأونروا تمت أرقمتها لحفظها كتوثيق لواحدة من أعقد مشاكل اللجوء وأكثر رسوخا في العالم والتي نشأت نتيجة "النكبة الفلسطينية"، حين اقتلعوا من أرضهم خلال الحرب التي انتهت بقيام دولة إسرائيل المزعومة عام 1948. يحيي الفلسطينيون الذكرى 66 للنكبة غدا، الصور تحكي لنا قصة تحول مشكلة اللجوء من حالة مؤقتة إلى حالة تكاد تكون دائمية. مخيمات اللجوء التي أعدت من الخيام خلال الخمسينات تحولت الآن إلى أحياء فقيرة في المدن مع أزقة ضيقة لدرجة يعجز عن السير فيها شخصان معا. الأم ورضيعها في صورة عام 1975 باتت الآن جزءا من عائلة في جيلها الرابع من اللجوء. والدا فتحية فرا من ديارهما التي أصبحت الآن إسرائيل عام 1948. ولدت فتحية في غزة وكونت عائلتها في مخيم رفح للاجئين. ولدها، حسن، الرضيع ذو الوجه الهزيل في الصورة، هو الآن في الأربعين وأب ل5 أولاد، ويقطن في مخيم آخر. يبدو وكأنهم أيقنوا إنهم لن يعودوا أبدا إلى موطن أجدادهم. حسن قال إنه لا يعتقد بأن إسرائيل ستسمح بعودة هذا الكم الكبير من اللاجئين الذين، مع أحفادهم، تجاوز عددهم الخمسة الملايين في منطقة الشرق الأوسط. وقال حسن ل"الأسوشيتد برس": "لا يمكننا العودة دونما مواجهة". وبدلا من ذلك يراهن على تعليم أولاده للخلاص من الوقع الذي يعيشونه. وأضاف إنه كان يأخذ إجازة كموظف حكومي لمساعدة ولده عبد الحي البالغ من العمر 9 سنوات للإستعداد للإمتحانات النهائية. وقال إنه مشغول جدا لدرجة لا تسعه المشاركة في إحياء ذكرى النكبة والتي تجري فعالياتها في الضفة الغربيةوغزة بخطب وإطلاق صفارات الإنذار في 15 مايو كل عام، وهو اليوم الذي تلا إعلان قيام دولة إسرائيل. فعاليات هذه العام تأتي بعد توجيه ضربة جديدة للآمال في التوصل إلى معاهدة سلام إسرائيلية فلسطينية والتي قد تتضمن حلا سياسيا للاجئين الفلسطينيين. المفاوضات التي رعتها الولاياتالمتحدة إنهارت الشهر الماضي، مثلها مثل الكثير من المحاولات الفاشلة التي جرت خلال العقدين المنصرمين لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. مصير اللاجئين كان واحدا من القضايا الأكثر إثارة للجدل على مائدة المفاوضات. إسرائيل تعارض عودة جماعية خشية خلخلة الطبيعة اليهودية لإسرائيل. الخطاب الفلسطيني العام، تصور العودة كهدف رئيسي. القيادة الفلسطينية تجنبت الخوض في تفاصيل الحل إلا إنها طرحت قبولها بعودة رمزية للاجئين إلى إسرائيل، فيما تتم إعادة توطين الأعداد الكبيرة الأخرى من اللاجئين في الدولة الفلسطينية المستقبلية وفي بلاد أخرى. وكما توضح الأرقام الواردة في تقارير الأممالمتحدة، فقد أجبر ما يزيد على 700,000 فلسطيني وأخرجوا من ديارهم إبان حرب 1948، ليستقر العديد منهم في الضفة الغربيةوغزة والأردن ولبنانوسوريا. وهناك أيضا عشرات الآلاف الذين نزحوا عن أراضيهم ومنازلهم في حرب 1967، التي انتهت باحتلال إسرائيل للضفة الغربيةوغزةوالقدسالشرقية، وهي أراض طالما كان يحلم الفلسطينيون بإقامة دولتهم عليها. ولا يزال هناك اليوم ما يقرب من 1.5 مليون لاجئ يعيشون داخل 58 مخيما تترامى أطرافها في أنحاء المنطقة، تعمل فيها منظمة الأونروا من أجل مساعدة الفلسطينيين المشردين عبر توفير فرص التعليم وتقديم الرعاية الطبية والغذاء، وذلك منذ إنشائها في عام 1950. بعض البلدان كانت حكوماتها المضيفة أكثر ترحابا باللاجئين، مثل سوريا والأردن، حيث استمر عدد قليل منهم في العيش داخل المخيمات وذلك مع اندماج غالبيتهم مع المجتمعات المحلية، على عكس بلدان أخرى مثل لبنان. وكانت الأونروا تعمل على توثيق عملية النزوح الجماعي التي تعرض لها الفلسطينيون جراء النكبة منذ البداية، ليصبح لديها رصيد كبير من المواد الوثائقية التي تجاوز عددها 430,000 فيلم نيجاتيف للصور، و10,000 صورة مطبوعة، و85,000 شريحة، و75 فيلما و730 شريطا مصورا. وفي عام 2009، قامت منظمة اليونسكو بتسجيل هذا الأرشيف ووضعته في سجل ذاكرة العالم اعترافا بقيمته التاريخية. ودشنت في العام الماضي عملية لتحويل الأرشيف إلى مادة رقمية بميزانية بلغت مليار دولار قام بتمويلها القطاع الخاص في كل من الدنمارك وفرنسا وفلسطين. وينفذ معظم العمل في المكتبة الملكية الدانماركية، فيما تجري معالجة ما يزيد عن 50,000 صورة في غزة. وهناك قاعدة بيانات إلكترونية تضم الآن نحو 2,000 صورة، فضلا عن عرض 50 صورة مطبوعة في معرض "الرحلة الطويلة" الذي افتتح في القدس في نوفمبر، ثم انتقل إلى عمّان ومن المقرر له زيارة غزة والضفة الغربية والعاصمة اللبنانيةبيروت. ويقول ليونيللو بوسكاردي من الأونروا، إن صورة حسن وفتحية سطاري ستعرض في معرض غزة، حيث تظهر الصور مدى قوة اللاجئين وصبرهم على المعاناة فضلا عن جهود الوكالة في توفير الخدمات الأساسية لهم. وتقول فتحية سطاري إن جهود الأممالمتحدة الإغاثية كانت أمرا جوهريا لعائلتها. فقد ولدت في غزة، بعد 3 سنوات من فرار والديها من قرية سطارية التي نشآ فيها، والتي باتت الآن قلب إسرائيل. تزوجت من ابن عمها حمدان، وأنجبت 11 طفلا وربتهم في إحدى الغرف بمخيم رفح للاجئين. وتظهر في صورة يعود تاريخها إلى عام 1975 برفقة ثاني أكبر أبنائها، حسن، في إحدى العيادات التابعة للأونروا. قالت إن حسن أصبح هزيلا بسبب إصابته بعدوى وبسبب عدم تمكنها من إرضاعه رضاعة طبيعية. وعلى مدار أعوام، ظل زوجها ورجال آخرون من المخيم يعملون في إسرائيل مقابل أجر يومي. وعمل صهرها إبراهيم في "ريشون ليتسيون" في إسرائيل، بالقرب من القرية التي تنحدر أصولها منها، والتي لم يعد فيها الآن سوى القليل من المنازل. تعلم الأطفال في المدارس التابعة للأمم المتحدة، وأحد أبناء فتحية الخمسة يعمل الآن طبيبا في إيطاليا. وبعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في عام 2000، أوقفت إسرائيل دخول العمال القادمين من غزة، وباتت سطاري أكثر اعتمادا على معونات الأممالمتحدة، بما في ذلك عبوات الأرز والسكر وزيت الطهي. ويقول مسؤولون بالأممالمتحدة إن ثمة ما يزيد عن 800,000 لاجئ في غزة الآن يحصلون على معونات غذائية. ويشكل اللاجئون غالبية السكان الذين يعيشون في الشريط الساحلي الصغير الواقع على البحر المتوسط، والذين يبلغ عددهم 1.7 مليون نسمة. وقد اشتد الفقر في هذا القطاع، لا سيما بعد أن أحكمت إسرائيل حصارها على المنطقة بعد استحواذ الجماعة الإسلامية المسلحة حماس على السلطة في 2007. ينتاب حسن شعور متناقض إزاء المعونات. فقد تلقى تعليما جيدا، ولكنه يعتقد بأن الاعتماد على الدعم والمساعدات تسبب دون عمد في إطالة أمد عزل فلسطين وبقاء الفلسطينيين في معزل عن العالم. ويفسر حسن الأمر قائلا: "لولا الأونروا لكان هناك ضغط أكبر لحل مشكلة اللاجئين". ولكن الفكرة لم يتقبلها كريس غانيس، أحد المتحدثين باسم الوكالة، حيث يقول: "إن إخفاق الأطراف السياسية في حل مشكلة اللاجئين هو ما يطيل أمدها".