- الذين يعيشون مع الله لا يشعرون بوحشة أو غربة.. لا ينالهم ضيق أو هَم أو كرب.. لا يصيبهم يأس أو قنوط أو إحباط.. الطمأنينة هى دارهم ومستقرهم، والسكينة هى أرضهم وسماؤهم، والرضا هو مسارهم وطريقهم.. هؤلاء هم المحبون لجلال الله، المتيمون بجماله، والعشاق لكماله.. مع الله لا يشعرون بوحشة حتى لو غاب كل الناس عنهم، حتى لو ذهب كل الأحباب والأصحاب وبقوا وحدهم، لأنه معهم لا يغيب عنهم.. يكلأهم بعنايته ورعايته.. يمدهم بأسباب الحياة، تكرماً، وتعطفاً، وتلطفاً.. «كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً».. الكل يرحل، ويغفو، وينام، ويمرض، ويفنى، إلا هو.. «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ».. «كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ».. «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ».. - الذين يعيشون مع الله تمتلئ قلوبهم بمحبته، فلا يرون محبوباً سواه، ولا يشعرون بشوق إلا إليه.. «يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ».. «وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ».. يسرعون الخطى وهم فى لهفة للقائه.. يودون لو أنهم بقوا فى حضرته، ينعمون فى ظل جلاله ورضوانه.. إذا وقفوا ببابه، خفقت قلوبهم، وسمت أرواحهم، وتلألأت نفوسهم، فلا يرون فى الكون إلا كل ما هو جميل.. قديماً قالوا: كُن جميلاً ترى الوجود جميلاً. - الذين يعيشون مع الله تلهج ألسنتهم دائماً بذكره.. فوصية الحبيب: «لا يزال لسانك رطباً بذكر الله» ماثلة أمام أعينهم وفى ضمائرهم، بل فى أعمق أعماق قلوبهم.. وهل هناك شىء فى الوجود كله أعظم أو أكمل أو أسمى منه سبحانه، المستحق للذكر؟.. ثم ما هذه الطمأنينة العجيبة التى تلحق بهم فور ذكره.. «أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»؟ - الذين يعيشون مع الله لا يتوقفون عن شكره والثناء عليه والامتنان له.. فهو خالقهم، ورازقهم.. سخر لهم ما فى السماوات وما فى الأرض.. «وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِى الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ وهُوَ الَّذِى سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ».. ثم، سترهم، وغفر لهم، وتاب عليهم، وسامحهم على ما كان منهم.. جبر كسرهم، ورحم ضعفهم، وأقال عثرتهم.. أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.. كساهم رداء التقوى، وزينهم بالعلم والحلم.. «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ». - الذين يعيشون مع الله تفيض قلوبهم رأفة ورحمة.. كما رسوله صلى الله عليه وسلم.. «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»، يستمدون من مولاهم رأفة لا تحدها آفاق، ورحمة تشمل جميع الكائنات.. «وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ».. لا تعرف القسوة طريقاً إلى قلوبهم، ولا الغلظة سبيلاً إلى نفوسهم.. «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ». - الذين يعيشون مع الله يستشعرون دائماً فقرهم وحاجتهم إليه، لأنه خالق الوجود وموجد الكائنات.. «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ». - الذين يعيشون مع الله يوقنون أنه سبحانه يعلم ما جرى ويجرى فى ملكوته.. يعلم مَن مِن البشر سوف يكون أهلاً لجنته، ومن منهم سيكون أهلاً لناره.. لذا، فهم يدعون ربهم آناء الليل وأطراف النهار أن يجعلهم من أهل الجنة، بل من أصحاب الفردوس الأعلى منها.. وألا يحرمهم رؤيته فى الآخرة، ممن قال فيهم: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ». - الذين يعيشون مع الله يعلمون جيداً أنهم ضعفاء، وأنه سبحانه هو القوى الذى لا يغلب.. العزيز الذى لا يقهر.. لذا، فهم يقفون ببابه، ويرفعون أكف الضراعة إليه ألا يكلهم لأنفسهم طرفة عين، وألا يتركهم دون سند أو عون منه، فلا حول لهم ولا قوة إلا به.. يرجون رحمته ويخشون عذابه.. يرجون ألا يحرمهم رضاه، فلا يردهم خائبين. - الذين يعيشون مع الله لا يخشون أحداً سواه، ولا تذل رقابهم إلا له.. لذلك فهم الأحرار بحق، الداعون إلى الحرية بصدق.. يستهدفون حرية الوطن والشعب، ويعملون على إعلاء شأنهما وإعزاز مكانتهما.. يقفون بكل قوة وبسالة فى وجه الطغاة ولو كلفهم ذلك حياتهم.. «فأعظم الشهداء حمزة، ورجل قال كلمة حق عند سلطان جائر، فقتله». - الذين يعيشون مع الله لا يداهنون رئيساً ولا يتملقون مسئولاً ولا يراءون قوماً، لأنهم يعلمون أن الأمر كله بيد الله وحده، وأن هؤلاء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، فضلاً عن أن يملكونه لغيرهم.. كما أنهم لا يتعالون على أحد، بل يتمتعون بفضيلة التواضع، فمن تواضع لله رفعه.. ظاهرهم كباطنهم.. «وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ».. «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ». - الذين يعيشون مع الله يؤمنون بأن العدل قيمة كبرى، به قامت السماوات والأرض، وعلى أساسه تستقيم الدول وتنهض الأمم وتستقر المجتمعات.. لذا، فإنه سبحانه يأمر به ويحض عليه.. «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ».. هو باختصار يمثل جوهر الشريعة.. «وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى».. «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى».