أكد الدكتور عبد الخالق صلاح، إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، أن الصوم تهذيب للنفس وتربية لها على السلوك القويم، وشهر رمضان مدرسةٌ عظيمةٌ تربي في المسلم مراقبة الله في السر والعلن، لأن الصيام بين العبد وربه، وأخص ما فيه المراقبة لله، مصداقًا لقوله (صلى الله عليه وسلم) : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". وقال إن القرآن الكريم حفل بالآيات التي تدل على مراقبة الله للعبد، كما أنها اسم من أسماء الله الحسنى، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، وقال عز وجل: { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا}، فالحق سبحانه وتعالى لا يعزب عن علمه وبصره مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا أصغر منها ولا أكبر إلا في كتاب مبين ، يقول تعالى: {ومَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}. وأضاف خلال الحلقة الحادية عشرة لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وجاءت بعنوان : " رمضان شهر المراقبة وإتقان العمل "، أن رقابة المسلم لله هي قضية إيمانية تمثل الإخلاص وترتبط بالإحسان، كما في الحديث الصحيح " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" ، فالمسلم يعبد الله على هذه الصفة، وهي استحضار قربه، وأنه بين يدي ربه كأنه يراه ، وذلك يوجب الخشية، والخوف، والهيبة، والتعظيم . وتابع، إذا راقب الإنسان ربه في كل أحواله انضبط سلوكه وتصرفاته، وحسن عمله واستقامت حياته، سواء رآه الناس أم لم يروه، وسواء أثنوا عليه أم لا، فلا يظلم نفسه ولا يظلم غيره، حتى وإن غابت عنه رقابة البشر، فمراقبة الله تعالى في السر والعلن تعصم الفرد والمجتمع من الزلل، فحين خرج عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ذات ليلة يتفقد أحوال رعيته وقرر أن يستريح بجانب بيت ما، فإذا امرأة تقول لابنتها يا ابنتاه قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء، فقالت لها : يا أماه أو ما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب اليوم ? قالت : وما كان من عزمته يا بنية? قالت : إنه أمر مناديه فنادى أن لا يشاب اللبن بالماء، فقالت لها : يا بنية قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء، فإنك بموضع لا يراك عمر ولا منادي عمر، فقالت الصبيَّة لأمها : يا أُمَّاه والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، كل ذلك وأمير المؤمنين يستمع، وقد سره أمانة الفتاة، وضميرها الحي، فاختارها زوجة لابنه عاصم، وكان من ذريتها الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه) . وفي ختام كلمته أكد أنه لابد من تربية ضمير حي في كل إنسان يأخذ بيده نحو مراقبة الله تعالى، فالمراقبة هي ثمرة علم الإنسان بأن الله سبحانه وتعالى ناظر إليه، رقيب عليه ، مطلع على عمله، سامع لقوله في كل وقت وحين ، قال تعالى:{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}، وهذا ما حدث مع الراعي الذي قال له عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): بعني شاة من هذه الغنم ، فقال : إني مملوك وهذه الغنم لسيدي ، فقال عمر: – اختبارا له- قل لسيدك أكلها الذئب، فقال الراعي: إذا قلت لسيدي هذا ؟ فماذا أقول لربي يوم القيامة ؟ فبكى عمر بن الخطاب، واشترى هذا العبد من سيده وأعتقه، وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تعتقك في الآخرة .