وهى قصة الرأى المرفوض بالنسبة لأى تيار سياسى ويطلق عليه من باب الأدب «الرأى الآخر» إلا أن التيارات السياسية فيما بينها لا تستخدم هذا المصطلح المؤدب إلا أمام الشاشات الفضائية، أما فى داخل أروقة الأحزاب والجماعات فيستخدمون مصطلحات أخرى للإشارة إلى الآخرين ومنها «الناس التانيين» أو مصطلح «هم» أو «الناس اللى بالى بالك». والتيار الإسلامى الذى ظل يعانى من الاضطهاد طوال خمسين عاماً لم يفلح الكثير من رموزه فى تقديم نموذج إسلامى حقيقى فى احترام الآخر أو الترحيب به. أما التيار الليبرالى الذى ظل يصارع الناس على احترام مبادئ الحرية فى التعبير والرأى فقد أصابته عصبية فى الرأى لا مبرر لها، وغير ذلك من القوى القومية والاشتراكية. والسبب أننا لم نتدرب على احترام الرأى الآخر تدريباً كافياً بسبب تعود الشعب المصرى على الرأى الواحد طوال خمسين عاماً، كانت مصر خلالها تتلخص فى فرد هو شخص الرئيس الذى لم يكن يرى إلا نفسه ولم يكن يرى إلا رأيه وكان يظن أنه من الخالدين. قرأ العسكر فى القوى السياسية هذه الشهوة القاتلة وهى شهوة «الرؤية الفردية» والاعتداد بالرأى الواحد واحتقار الآخر فاعتمد عليها فى تسويف الأمور، وتنفيذ ما يريد ولكن ليس بيده وإنما بيد الآخرين، فقرأ انقسام ائتلافات الثورة ففتح الباب للاجتماع بكل ائتلاف ثورى حتى ولو كان عضو الائتلاف الثورى لا يمثل إلا نفسه وصاحبه الذى يجلس بجواره فى الجامعة، وفتحت الفضائيات أبوابها ليتحدث الجميع باسم الثورة وفلسفة الثورة وهو لا يعلم أنه قد تم استخدامه ليضع نهاية الثورة. أما البرلمان الذى ولد قبل أوانه فولد مشوهاً وقام بإجراء الولادة عم «شحاتة الحلاق» فلا تعلم له رأساً من رجلين، فتارة يقرر سحب الثقة وتارة أخرى يقول «تنزل المرة دى» ثم يعود كما يعود المعلم حنفى ويقسم أن كلمته لن تنزل الأرض آآآآبدا وفى النهايه تنزل «المرة دى» أما التشريعات فحدث ولا حرج؛ تارة يطلبون تقييد حق التظاهر مع كتابة إقرارات وضمانات من المتظاهرين على أنفسهم وتارة يتحدثون حديث الثوار بالصوت الجهورى وتارة يبعد الناس عن اللجنة التأسيسية للدستور ويقسمونها بينهم كما يقسم كتف الخروف، وإذا نصحتهم بالعدول عن ذلك التقسيم وترك الأمر لأهله أكدوا لك أن كلمتهم لن تنزل الأرض آبدااًاًاًاًاًً، حتى ضربتنا الأحكام القضائية على رؤوسنا جميعاً وأوقفت هذا العبث.. وهكذا. ولا ترى فلسفة لأحد فى الحكم وسكت الجميع أمام جثث القتلى فى العباسية، كما سكتوا على محاكمة القاتل للقتيل، كما سكتوا على ضحايا أحداث مجلس الوزراء وماسبيرو. والوزارة المعنية غيرت وزيراً أو وزيرين وأضافت وزيراً أو وزيرين حتى يجد البرلمان شيئاً يسكته بعد أن عاد بخفى حنين وعلق الجلسات فإذا بالجلسات هى التى علقته. ياناس عودوا إلى رشدكم واهتموا بمحاكمة القتلة الحقيقيين ولا تقدموا التنازلات بحجج مشبوهة تحت مظنة أن تتسلموا السلطة، فأنا أذكركم بقصة الثور الأبيض، فقد تنازل زعيم الثيران أمام الأسد وأخذ يقدم له كل يوم ثوراً من الثيران حتى يرضى، وبدأ بالثور الأبيض وهو أجمل الثيران حتى مر يوم خلف اليوم وفى النهاية جاء الدور على ملك الثيران فاعتذر له الأسد بأنه سوف يضطر إلى التهامه وهنا أجابه كبير الثيران: «أنت لم تأكلنى اليوم.. وإنما أنا أُكلت يوم أكُل الثور الأبيض»