فى نفس المنطقة التى يوجد فيها عدد كبير من الإرهابيين الذين يستبيحون دماء قوات الجيش والشرطة ويستهدفون من يتعاون معهم بالشيخ زويد، كان يعيش رجل شجاع ووطنى من الطراز الرفيع، حفر اسمه بأحرف من نور فى سجل المجاهدين ضد العدو الصهيونى أثناء احتلال شبه جزيرة سيناء. وفى الوقت الذى كان يحمى فيه الرجل جنوداً مصريين بعد نكسة 1967 ويساعدهم على الهرب من قبضة المحتلين، يقتنصهم المتشددون حالياً ويقتلونهم بدم بارد. إنه الشيخ سالم حسن داود، الشهير ب«الشيخ سالم أبوطويلة»، المولود عام 1919 بقرية «أبوطويلة» التابعة لمركز الشيخ زويد. نشأ «أبوطويلة» فى قريته وسط البادية متنقلاً بين مصر وفلسطين، بسبب نشاطه العدائى ضد إسرائيل التى قررت تصفيته فى 1 يناير 1973، تاركاً خلفه 10 أبناء يعيشون على سيرته الطيبة فى ربوع سيناء. من بين هؤلاء، قابلنا نجله المهندس أحمد أبوطويلة ليحكى لنا قصة والده بالتفصيل. فى البداية، يقول نجل الشهيد إن والده أشرف على إنشاء قرية «أبوطويلة» وجمع ذويه وأقاربه من الأماكن المتفرقة ووطَّنهم فى مكان واحد سُمى بعد ذلك بنفس الاسم، وأنشأ مطحناً للغلال «القمح والشعير» لخدمة أهالى المحافظة بعد أن كانوا يتكبدون مشقة السفر إلى فلسطين أقرب الأماكن للقرية، وحفر أيضاً بئر مياه ارتوازية تضخ المياه لأهالى القرية والقرى المجاورة، وهو ما أسهم فى التوطن والاستقرار، وأنشا مسجداً للقرية وكان أكبر مسجد فى المركز، وعمل على إنشاء مدرسة ابتدائية وأخرى إعدادية مشتركة وكانتا نواة لنشر التعليم بين أوساط قبائل سيناء، وقبل ذلك كان يشرف على الكتاتيب وتحفيظ القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية ومبادئ الحساب. وعن النشاط الوطنى لوالده يقول أحمد أبوطويلة: «بدأ نشاط والدى الشهيد مبكراً فى عام 1948، عندما كان يقدم المعونة للضباط والجنود المقاتلين فى حرب فلسطين، حيث كان ينقل الأسلحة إليهم ويساعدهم فى شرائها، وكان على صلة وثيقة بمدير المخابرات بقطاع غزة وقتها مصطفى حافظ، للعمل على إرسال المجموعات الفدائية إلى فلسطين، وفى عام 1956 ساعد الجنود المصريين على عودتهم إلى أرض الوطن بسلام، وقبل حرب 1967 كان يرسل أطعمة إلى أفراد القوات المسلحة الموجودين بجوار القرية. وتجلت وطنيته فى مساعدة المتبقين من الجنود والضباط المصريين بعد قرار الانسحاب من سيناء عقب هزيمة الجيش المصرى، حيث استخرج بطاقات هوية لهم من قسم شرطة الشيخ زويد، لإبعاد الشبهات عنهم خوفاً من وقوعهم فى أيدى جنود الاحتلال. يتابع نجل الشهيد «أبوطويلة» قائلاً: «والدى جمع جثث الجنود الملقاة فى حقول القرية ودفنهم بمقابرنا، وجند نساء القرية لإعداد الطعام للجنود بعد أن انقطعت بهم السبل فى صحراء سيناء، وعارض بشدة بيع الأراضى إلى إسرائيل من قِبل بعض ضعاف النفوس، وعرض عليهم المال والمسكن لوقف عملية البيع. ووقف أمام قائد سيناء العسكرى الإسرائيلى بشموخ وكبرياء قائلاً له إن الأرض ليست ملكاً لأحد إنما هى ملك لمصر ونحن حراس عليها فقط. ويستطرد «أحمد» فى حديثه: «بعد أن ضاقت إسرائيل بوالدى ذرعاً بعد مواقفه التى تساند الدولة المصرية، دبرت خطة لاغتياله ونصبت له كميناً على طريق (غزة - رفح) تحت جنح الظلام، وبمجرد ظهور سيارته أمطروها بوابل من الرصاص فاستُشهد على الفور. ويتوقف نجل الشهيد البطل عن الكلام قليلاً، ثم يكمل قائلاً: «أعمل مهندس إنشاءات فى سيناء، وأعيش على سيرة أبى الطيبة، وما من مكان ذهبت إليه فى شمال سيناء أو وسطها وحتى جنوبها إلا وسيرة الوالد تسبقنى إليه، وحينها أكون فخوراً جداً بما أسمعه عن والدى. ويضيف نجل البطل: «اسم والدى مدون فى سجلات المخابرات العامة والحربية، ويعرفه كل الضباط القدامى عن ظهر قلب، وصدر كتيب صغير عن حياته وبطولاته لتدريسه فى المرحلة الأساسية فى بداية الألفية الجديدة، لكن حُذف من المناهج بعد 7 سنوات دون معرفة السبب». ويختم بالقول: «آباؤنا ضحوا بأرواحهم من أجل تحرير سيناء من المغتصبين، لكن الإرهابيين يعملون الآن على تخريبها ويقتلون الجنود المصريين الذى دفعوا الثمن غالياً لاستعادة الأرض. وقصة والدى تعبر بشكل واقعى عن أن أبناء سيناء وطنيون وليس كما يشاع عنهم بأنهم خونة وإرهابيون».