كلمة قالها لي أحد المهندسين ذات مرة: التعامل مع الآلات أسهل بكثير من التعامل مع البشر، في دنيا الآلات 1+1=2، بينما في دنيا البشر قد يكون لهذا السؤال مئات الإجابات. أود أن أبدأ مقالتي بمشهد أعجبني من فيلم قديم للفنان محمد هنيدي وهو "جاءنا البيان التالي": يدور المشهد حول بطل الفيلم "محمد هنيدي" الذي باع ضميره في منتصف الأحداث وقرر أن يرضخ لإرادة مالك القناة التي يعمل بهذا كمذيع؛ ليعرض على المشاهدين مواد مزيفة لا تنقل الواقع، وفي اول الفيلم كانت السيدة التي تعمل بالكشك تحت منزلهم قد طلبت منه أن يبحث عن أحد يٌعالج ابنتها. وفي يوم من الأيام بعد أن باع ضميره تذكر "سعدية" سيدة الكشك، وأخبرها أنه سيجد حلًا في برنامجه غدًا لموضوع ابنتها، وكانت المفاجأة ان ابنتها قد ماتت. ما الذي حدث في هذا المشهد؟ .. لماذا تصرف البطل بهذه الطريقة؟ في علم النفس نظرية يتم تدريسها في علم الإدارة كذلك تسمى بنظرية التنافر، وهي تشير إلى التنافر او التعارض بين معتقدات وتوجهات الإنسان وبين بعضها، او بينها وبين سلوكه الذي يقوم به، وتخلص النظرية إلى أن من يمر بتلك الحالة سيسعى لتقليل الفجوة، او مساحة التعارض تلك. يقوم الإنسان بتقليل هذه الفجوة بطرق مختلفة منها: أن يغير سلوكه الذي يتعارض مع معتقده، او ان يغير المٌعتقد نفسه، او أن يلجأ إلى موائمة منطقية بين السلوك والمعتقد، ويعتمد الاختيار بين تلك الاحتمالات الثلاثة على عوامل عديدة حسب طبيعة الموقف. هذا ما فعله البطل في الفيلم، فقد حاول أن يُثبت لنفسه أن شيئًا لم يتغير، وانه مازال نقيًا كما كان، ويسعى لعلاج "الغلابة" كما أوصوه، ولكن للأسف بعد فوات الأوان، وهو ما ساهم في رجوعه عن أفعاله بعد ذلك. يٌقال دائمًا للمديرين: تذكر انك تتعامل مع البشر؛ ومن الطبيعي أن يحدث هذا التعارض بين ما يعتقدون وبين أمر قد تأمره لهم، وعليك أن تتقبل ذلك وتتعامل معه بصورة علمية لتخفيف أثر هذا التعارض وفي نفس الوقت للوصول إلى ما تريد وبكل تأكيد في حدود الأمور الأخلاقية ويتم ذلك على سبيل المثال من خلال: أن تقوم بشرح الامر لهم على أنه شيء خارج عن إرادتك وهو لمصلحة العمل "ومرة أخرى لا تستخدم ذلك إلا في الحدود الأخلاقية". وكمثال: إذا افترضنا أن احد المعتقدات عند الموظف "س" أنه لا يجب الاستغناء عن أي من الموظفين، ثم ترقى هو بعد ذلك ليصبح مديرًا في موقع يحتم عليه أن يتخذ قرارات بالاستغناء عن بعض الموظفين وإلا سيتوقف كل شيء في الشركة، فماذا يفعل؟! هناك بعض الاحتمالات التي سيقوم من خلالها بتقليل الفجوة بين ما يعتقد وبين القرار الذي يجب ان يتخذه منها مثلًا: أن هذا الامر لمصلحة العمل التي هي فوق الجميع. يحدث هذا الامر للجميع، ومن الجميع، وتذكر أنك تتعامل مع بشر وأن الإجابة على سؤال 1+1 لن تكون دائمًا 2. شايف الكلمتين اللي فوق دول؟!.. هتلاقيهم في أي كتاب إدارة بيتكلم عن إدارة الموارد البشرية زي مثلًا كتاب الإدارة المعاصرة للمؤلفين: ستيفن روبينز، ديفيد ديكينزو، وماري كولتر .. وهو ما اقتبست منه المثال الأخير: المدير وقرارات الاستغناء عن الموظفين.