نظر الموت لي بنهَم كأني أول الذاهبين إليه، بينما كنت في عرض الطريق بلا نيّة عاجلة إليه. عبرت الشارع بتهوّر، فنظر ثانيةً للسيارة القادمة نحوي ثم أدار بصره قلقاً، وأعاد النظر فرآني قد نجوت. كان الموت رائجاً في مصر تلك الأيام، وكان "إمام الزاوية" يلوّح في كل خطبة جمعة حضرتها بأن الناجي من عذاب القبر لن ينجو من عذاب النار. خفت أن أموت فلا ألقى إلا أحد العذابين، فصرت أنفذ ما يقوله الإمام لأنجو. تشابه الأمر في البيت، فكلمة حرام من لسان أبي دامت عن كلمة حلال، فرأيت كل الأمور حراماً حتى يخبرني أبي بغير ذلك. ثم أخرجني أبي من منتصف التعليم وقرر أن يعلمني هو توفيراً للنفقات، وقبل أن يتم تعليمي مات.. فارتعبت من مصير الموت الذي لم يدر بصره عنه هذه المرّة. خطّ الشارب وجهي فتولاني إمام الزاوية، فهو صديق أبي القديم الذي نهرني يوماً لأني لا أطلق لحيتي، فحاولت إقناعه أنها لم تنبت بعد. أطول كتاب قرأته هو معلم القراءة، وحين ضبطني إمام الزاوية به في أحد دروسه شطب على وجه الفتاة والفتى المرسومين على غلاف الكتاب ووبّخني لأن الرسم حرام، ارتبكت فتلقّفني، ومنذ تلك اللحظة صار فلتراً لمعارفي... حفّظني قائمةً بأسماء الأشرار والأطهار في هذا العالم، وقائمةً أخرى بما يجب عليّ فعله وما لا يجب، وحذرني من حسن الحلوجي مؤلف هذه القصة. ثم مات إمام الزاوية فوقعت في حيرة واعتزلت الناس، وتمنيت لو أدار الموت لي وجهه كي أقابل الإمام، فكيف سأعيش دون "كتالوج"حياتي الذي أخذه معه ورحل.