سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المرج وأرض اللواء وبولاق: «علبة الصفيح» السيارة «المعتمدة» لنقل البشر معظم السيارات بلا لوحات معدنية.. وتسعيرة خاصة ل«الكابينة».. و«التوك توك» يدخل منافسة الفوضى بقوة
وسط مناطق شعبية، ذات كثافة سكانية، تتناثر فى قلب أحياء القاهرة الكبرى، تتخللها شوارع غير ممهدة، تجوبها سيارات نصف نقل، تنقل بشراً بدلاً من البضائع التى صنعت من أجلها هذه النوعية من السيارات، لتستقر فى أحد الميادين، التى تتسم أروقتها بالعشوائية، يهبط منها الركاب، بينما يحتاج العجائز منهم إلى مساعدة للوصول إلى صندوقها المرتفع عن الأرض، ينتظر قائدها دوره لتحميل الركاب، خلف طابور طويل، تتراص فيه سيارات لا تعرفها دفاتر المرور. ثلاثة مواقف عشوائية داخل منطقة بولاق الدكرور، إحدى المناطق الشعبية بالجيزة، تعمل بها سيارات نصف نقل، قديمة متهالكة، تعود موديلات صنعها إلى السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضى، لا تحمل أى أوراق مرورية ولا لوحات معدنية، فأغلبها لا يدخل ضمن تعداد السيارات فى إدارات المرور الحكومية، وفقاً لسائقيها، تشق طريقها عبر طرق لا تقل عشوائية عن المواقف التى تتحرك منها، حيث الشوارع الضيقة ذات المطبات والحفريات التى يظهر على أطرافها بقايا الطبقة الأسفلتية، وتحاصرها بنايات سكانية غير مرخصة، بينما حرم الطريق يشهد تعديات من أصحاب المحال التجارية والعاملين فيها. على بعد أمتار قليلة من مقر قسم شرطة بولاق الدكرور، يقبع موقف السيارات الأول الذى تتجمع فيه سيارات نصف نقل وأخرى ميكروباصات قديمة، أغلبها بدون لوحات معدنية، يفصل بينها وبين حرم قسم الشرطة حواجز وصدادات حديدية، تتداخل أمامها السيارات مع التوك توك الذى يزيد الموقف عشوائية، السيارات تعمل على خطَّىْ سير، كما يقول صفى أحمد أحد أهالى المنطقة، الخط الأول ينقل الركاب من أمام قسم الشرطة إلى منطقة الكوبرى داخل «صفط اللبن»، بينما الخط الثانى من بولاق إلى شارع فيصل. خلف الموقف الذى يقبع على حافة مصرف صحى، يحاصره مقلب قمامة رائحتها تزكم الأنوف، يقف شاب ثلاثينى، صاحب جسد مفتول، تميل بشرته إلى السمرة، يظهر على خده الأيمن آثار ضربه بسلاح أبيض، يقتصر دوره على تحديد دور كل سيارة لتحميل الركاب وفض المشادات والمشاجرات فى حال حدوثها بين السائقين، مقابل تحصيل رسوم الكارتة من كل سيارة. خالد بيومى، سائق سيارة ميكروباص، تخلو فتحات شبابيكها الخلفية من الزجاج، لا تظهر لها أى هوية، فالمكان المخصص للوحات المرور، يكسوه استيكر «عين الحسود فيها عود» وآخر «الرزق على الله»، يجلس قائدها على مقعد القيادة ويمسك بأنامله وصلتى سلك ب«لونين مختلفين»، محاولا تشغيل محرك السيارة، بمجرد ملامسة الوصلتين معاً، يكرر المحاولات ولكنه يفشل فى تشغيل محركها، يطلب سائقها من الركاب «معلش ياجماعة زقة صغيرة علشان نمشى»، يتفاعل بعضهم مع كلامه بمعاونة زملائه السائقين، وبينما البعض الآخر يظل قابعا مكانه، مع دفع السيارة، يخرج دخان كثيف من «الشكمان»، بمجرد إدارة محركها، يهرول الركاب للحاق بمقاعدهم، يدور حوار ساخر بين الركاب على حالة السيارة «الشبابيك فين ياسطى»، وراكب آخر «إحنا هانزُق وندفع فلوس كمان»، يعلو صوت السائق «العربية اللى مش عجباكوا دى فتحة تلات بيوت» و«اللى مش عاجبه ينزل ياخد توك توك». السائق العشرينى يبرر حال سيارته «دى شغالة فى الشوارع الداخلية ومفيش هنا مرور ولا غيره، والمفروض أنها متكهنة، لكن عملها كسيارة أجرة ضرورة لنا باعتبارها مصدر الدخل الوحيد لى ولاثنين من أشقائى»، مضيفا «الأجرة هنا جنيه واحد، وحرام يشتغل فيها سيارة جديدة لأنها مش هتجيب قسطها، والطريق كله مطبات هاتدمر العربية قبل ما نسد فلوسها»، حال سيارة «خالد» لا يختلف كثيراً عن سيارات زملائه داخل الموقف، محمد فتحى سائق آخر يقول إن «السيارات هنا كلها زى بعضها وهى اللى تنفع هنا فى المنطقة، وأجرتها تناسب أهالى المنطقة». على بعد 5 كليومترات أسفل محور كوبرى صفط اللبن، يحتل الموقف الثانى مدخل شارع العشرين، حيث تتراص سيارات نصف نقل إلى جوار الرصيف الفاصل بين اتجاهى الطريق، فى مقدمة الطابور، يصعد الركاب إلى صندوق السيارة الأولى، حيث يتمدد عرقان من الخشب على حوامل حديدية، يجلس على كل منهما 6 أشخاص، بينما يرتفع غطاء من القماش السميك، يكسو صندوق السيارة، فتبدو أقرب إلى «بوكس» الشرطة، ورغم إكمال عدد ركابها ال12 إلا أن السائق يرفض التحرك رغم إلحاح الركاب «هنجيب نفرين على الإكصدام وهنمشى على طول»، يسأل أحد الركاب «فى حد فى الكابينة؟»، «الكابينة هيركب فيها واحد بس وهيدفع أجرة الاثنين» هكذا يأتى رد السائق. يتجاوز عدد السيارات نصف النقل التى تعمل داخل منطقة بولاق الدكرور ومحيطها، أكثر من 200 سيارة، بحسب مجدى سمعان أحد سائقى السيارات، موضحاً أنها تعتبر وسيلة المواصلات الأساسية التى يعتمد عليها السكان فى التنقل داخل المنطقة. موقف ثالث أكثر عشوائية داخل منطقة أرض اللواء، بمجرد عبورك مزلقان السكة الحديد، يظهر تجمع العشرات من المواطنين فى انتظار قدوم السيارات التى تنقلهم إلى منطقة الزرائب والطريق الدائرى، دقائق من الانتظار، يقطعها وصول إحدى السيارات نصف النقل، يهرول عليها الركاب، تتحرك السيارة فى طريقها، بينما ينتظر باقى الركاب وصول سيارة أخرى. «كل يوم على الحال الزفت ده».. كلمات تحدث بها «سعد» أحد المنتظرين، الذى يعمل موظفا بشركة المقاولون العرب، مضيفاً «إحنا مظلومين فى كل حاجة، مش كفاية العربيات خربانة، كمان مش موجودة». السيارات تسلك طريقها على طريق ترابى، ملاصق لمحور 26 يوليو، يفصل بينهما حائط خرسانى، لا يقتصر على فصل الطريق، وإنما يفصل بين عالمين مختلفين، «ده طريق البشوات وده طريق الفقراء اللى زى حالتنا» بسبابته يشير وحيد سالم، شاب فى العقد الثالث من العمر، أحد ركاب العربة، طريق المحور الذى يقارنه بالطريق الترابى المؤدى إلى منطقة الزرايب القريبة من الطريق الدائرى. الوضع لم يكن أفضل حالاً فى محافظة القاهرة، ففى منطقة المرج التى تقع فى شرق القاهرة تظهر السيارة نصف النقل فى الشوارع لتنقل الأهالى وطلاب المدارس بين أروقتها، والتى يبلغ عددها 120 وفقاً لعامل الكارتة يدعى سعد الشهير ب«البوب»، تنقسم فى موقفين لسيارات داخل المرج. عبدالباسط سعد الذى يقود إحدى السيارات على «خط المرج - محمد نجيب»، يتحرك بسيارة من أمام مجمع المدارس، هى سيارات بدون غطاء «كبوت»، حيث يجلس الركاب فى الصندوق دون وجود ما يحميهم من برودة الجو القارس، ومياه الأمطار المتساقطة، ويدفع كل راكب 75 قرشا، بينما من يجلس داخل كابينة السيارة يدفع الأجرة جنيهاً. على خط آخر خاص بسيارات «المرج - الجراج» تقف سيارة نصف نقل، يمتزج فيها صوت المذيع الذى يصدح بالأغانى الشعبية مع صوت محرك السيارة وأجزائها المتهالكة، لا يهتم سائقها بإصلاح عيوبها بقدر اهتمامه بتحميل الركاب، تعمل السيارات داخل موقف عشوائى، ينتقل فى ساعات الصباح والظهيرة إلى مجمع المدارس من أجل تحميل ركاب المدارس فى الذهاب والإياب إلى منازلهم، «التحميل من أمام المدارس أفضل لأننا مش بندفع فيه كارتة والعربية بتحمل على طول» على عكس المواقف التى ينتظر فيها دوره ويدفع فيها كارتة، بينما هنا أو هناك لا يطالبه أحد برخصة أو الاستعلام عن هوية سيارته.