تتصدر نتائج أبحاث الخلايا الجذعية أخبار البحوث العلمية الصادرة عن أكبر المراكز البحثية حول العالم. وتهتم معظم الدول المتقدمة حاليًا اهتماما متزايدًا بالبحوث في هذا المجال العلمي الفريد الذي ينبئ بثورة طبية جديدة، وآمال عريضة لعلاج العديد من الأمراض المستعصية. والخلايا الجذعية، هي خلايا غير متخصصة لها القدرة على الانقسام وتجدد نفسها باستمرار ويمكنها أن تتمايز إلى خلايا متخصصة. ويُعد اكتشاف الخلايا الجذعية من المكتشفات الطبية الحديثة نسبياً، ويُعول عليها أن تكون مصدراً مهماً في علاج الكثير من الأمراض المزمنة والإصابات الخطيرة، كأمراض الكلى والكبد والبنكرياس وغيرها من الأمراض المعضلة. ومن المعروف أن الجنين البشرى يبدأ عندما يقوم الحيوان المنوي بإخصاب البويضة، وهذه اللاقحة (البويضة المخصبة) تتكون من خلية واحدة ولكنها تمتلك القدرة الكاملة على تكوين أي نوع من أنواع الخلايا ولذلك تسمى خلية جذعية كاملة القدرة. ثم يبدأ تطور الجنين، وفى مراحل مبكرة يتم الحصول على الخلايا الجذعية الجنينية من الكتلة الخلوية الداخلية للحويصلة الجذعية، وهي خلايا جذعية وافرة القدرة، وهي تمتلك القدرة على التخصص لأي نوع من الخلايا البشرية عدا خلايا المشيمة والأغشية المحيطة بالجنين. وتبدأ اللاقحة بالانقسام إلى مجموعة من الخلايا التي لها أيضاً القدرة الكاملة على التخصص، ويمكن لأي خلية من هذه الخلايا إذا زُرعت في رحم أنثى أن تكون جنيناً كاملاً، وتبدأ الخلايا كاملة القدرة بعد عدة دورات من الانقسام بالتخصص مكونة كرة مفرغة تسمى الحويصلة الجذعية، ولهذه الحويصة طبقة خارجية من الخلايا تكون المشيمة والأغشية المحيطة بالجنين المدعمة لنموه داخل الرحم، كما توجد في تجويف الكرة كتلة من الخلايا تسمى الكتلة الخلوية الداخلية، وتُكون خلايا هذه الكتلة الجنين بجميع أنسجته وأعضائه لكنها وبخلاف الخلايا كاملة القدرة غير قادرة على تكوين كائن حي بمفردها، وتُسمى الخلايا الجذعية وافرة القدرة، وتتكاثر هذه الخلايا بالانقسام المتكرر ثم تبدأ بإنتاج خلايا جذعية متخصصة كخلايا الدم الجذعية التي تكون كل خلايا الدم، وهذه الخلايا المتخصصة تُسمى الخلايا الجذعية متعددة القدرات، وهي الخلايا التي تُوجد في أجسامنا جميعًا. وتُوجد الخلايا الجذعية البالغة في الأطفال والبالغين على حد سواء، وتتوزع في جميع أنحاء الجسم، وهي مهمة لتعويضه عن الخلايا التي تموت بشكل طبيعي بعد انتهاء عمرها المحدد، ويقل عدد هذه الخلايا مع تقدم الإنسان في العمر. ويُمكن الحصول على الخلايا الجذعية من المشيمة والحبل الشوكي والسائل الأمنيوسي، ومن الأطفال والبالغين، والأجنة المجهضة، والفائض من لقائح أطفال الأنابيب، وعن طريق الاستنساخ العلاجي. ويعمل بعض الباحثين على محاولة إعادة الخلايا المتمايزة إلى أصلها (الخلايا الجذعية) فيما يُعرف بالتمايز العكسي، ويُعد اكتشاف امكانية إعادة خلايا الدم المتمايزة إلى أصولها وإنتاج خلايا دم جذعية تتشابه في خواصها مع الخلايا الجذعية التي يتم الحصول عليها من الأجنة من أهم الاكتشافات الحديثة في هذا المجال، وتُسمى الخلية التي تُستحث بهذه الطريقة خلية جذعية مستحثه وافرة القدرة. وتُصنف الخلايا الجذعية بناء على طريقة الحصول عليها إلى خلايا جذعية جنينية وخلايا جذعية بالغة، وتتلخص الفروق بينهما في أن للخلايا الجذعية الجنينة قدرة أكبر على التخصص وبأنها تنتج إنزيم التيلوميريز، والذي يساعدها على الانقسام باستمرار، في المقابل الخلايا الجذعية البالغة لا تُنتج هذا الإنزيم إلا بكميات ضئيلة، أو على فترات متباعدة مما يجعلها محدودة العمر. ومنذ نجاح أول عملية لزراعة الخلايا الجذعية في السبعينات من القرن الماضي، يتم سنويا القيام بأكثر من 50000 عملية في بلاد العالم المختلفة. ومن أجل القيام بزراعة الخلايا الجذعية، يحتاج الأطباء أولا إلى العثور على متبرع، وبعدها يتم التبرع باستخلاص خلايا الدم الجذعية للمتبرع، ويشترط لإجراء العملية وجود تتطابق نسيجي بين المتبرع والمريض. وتستلزم هذه المنظومة العلاجية وجود بنك للخلايا الجذعية لتسهيل هذه المهمة. ولقد اهتمت العديد من الدول العربية بقضية الخلايا الجذعية والتي تجد دعم حكومي كبير في بعض الدول مثل المملكة العربية السعودة ودولة الإمارات العربية المتحدة، والكويت، وغيرها. وتم في المملكة إجراء 4 آلاف عملية زراعة خلايا جذعية خلال 31 عاما مضت لأمراض الدم الحاد والمنجلية والثلاسيميا وأمراض دم الأطفال، وهناك 250 حالة تتم الزراعة لها سنويا، حيث تصل تكلفة المريض الواحد ما بين 800 ألف إلى مليون ريال في السنة. وحصلت وزارة الصحة الكويتية على موافقة الجهات الرقابية الخاصة بالتعاقد مع مركز برشلونة الأسباني الطبي، بهدف جلب فرق طبية متخصصة لتقديم خدمات التأهيل والاستشارة والتدريب على عمليات تجميع وتحليل ومعالجة وتخزين الخلايا الجذعية المستخلصة من دماء الحبل السري، وكيفية الاستفادة منها، وسيكون التعاقد لمدة خمس أعوام، وبتكلفة 9 ملايين يورو. وفى المقابل، فهناك بنك وحيد من نوعه في مصر وهو بنك CellSafe يتمتع بوضع قانوني سليم، ويقوم بتخزين دماء الحبل السري لبعض القادرين من العملاء، لاستعمالها في علاجهم في الوقت المناسب إذا ظهرت ضرورة لذلك. ومؤخرًا ألقى برنامج "آخر كلام" على قناة "أون تي في" الضوء على تصدير الخلايا الجذعية للمصريين، وكشف البرنامج النقاب عن سوق سوداء وأنشطة في الظل لشركات غير قانونية تعمل في غيبة من الرقابة، وتمكنت وحدة التحقيقات الاستقصائية التابعة لهذا البرنامج من إثبات وجود شركات تقوم بجمع عينات من الخلايا الجذعية لمصريين وإرسالها إلى خارج البلاد، وأن هذه الشركات تتاجر بدماء المصريين ويؤدى هذا لاستغلالها في أغراض مشبوهة قد تؤثر على أمن مصر القومي. ونظرًا لأهمية بحوث الخلايا الجذعية، وبعد أن أصبحت قضية تهم الرأي العام، لأنها تتعلق بصحة الأفراد، ونظرا لما لها من تأثيرات قد تمس أمننا القومي، فيجب على اللجنة القومية للخلايا الجذعية أن تقوم بدراسة الاستفادة من الإمكانات المتوفرة لدى القطاعات الصحية فيما يخص الخلايا الجذعية، وأن تقوم بمحاولة توحيد الجهود الصحية الحكومية لإنشاء برنامج وطني للخلايا الجذعية، بحيث يبدأ بإنشاء بنك قومي للخلايا الجذعية، ومعهد قومي لبحوث الخلايا الجذعية تحت إشراف وزارة الصحة المصرية، والدعوة لبرنامج قومي للتبرع بالخلايا الجذعية و دماء الحبل السري، وتوعية أفراد المجتمع من أطباء ومرضى وأصحاء بأهمية الخلايا الجذعية كعلاج ناجع للعديد من الأمراض المستعصية، نظرا لما تحمله من أهداف ورؤى متميزة وآمال مستقبلية، سيكون لها الأثر البالغ في تطور العلاج والتداوي مستقبلاً، والتي ستعكس عملاً إيجابياً متطوراً لخدمة المرضى المصريين.