«المعتلون هم أكبر خطر يهدد الإنسان، وليس الأشرار أو الحيوانات المفترسة، الفاشلون والمهزومون وذوو العاهات والضعفاء جداً هم الذين يلغمون الحياة ويسممون ثقتنا فيها وفى الإنسان وفى أنفسنا». يقول فريدريك نيتشه فى كتابه «هكذا تكلم زرادشت»، إن الأزمة دائماً فى أولئك الناقصين، عديمى الموهبة، إنهم مرض البشرية وسر خيبتها. وحتى تكون الصورة أوضح، يرسم الكاتب المسرحى البريطانى بيتر شيفر، شخصية الإيطالى «أنطونيو سالييرى» موسيقار البلاط الإمبراطورى لدى جوزيف الثانى، إمبراطور النمسا، فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر. باختصار كان «سالييرى» ملتزماً دينياً يؤدى الفروض كاملة ويعتقد فى نفسه أنه يمتلك الموهبة الكاملة، وعندما ظهر «موتسارت» أحدث انقلاباً فى عالم الموسيقى بموهبته الفذة. شعر «سالييرى» بالغضب والحقد والحسرة، وكان يسأل نفسه: «كيف أحصل على نصف موهبة رغم أننى مؤمن وأؤدى الفروض، بينما يحصل ذلك الفتى التافه على موهبة كاملة؟». وحسب نص المسرحية، يدبر «سالييرى» مؤامرة لقتل «موتسارت» عبر إقناعه بتأليف لحن جنائزى، فيتقمص «موتسارت» موسيقاه ويموت. وفى نهاية المسرحية، يظهر «سالييرى» فى مستشفى للمسنين المرضى، يتجول فى طرقاته على مقعد متحرك ويشير إلى المصابين بالشلل أو مبتورى الأطراف أو المشوهين قائلاً: «أنا إله أنصاف الموهوبين». كان «سالييرى» يتوهم أنه المؤمن الكامل الذى يستحق أن يكافئه الله بمنحه موهبة «الموسيقار الكامل»، تماماً كما يتوهم الإخوان ومن على شاكلتهم أنهم المؤمنون، وغيرهم كافر، معزولون عن الحياة والزمن والدين، بل إنهم حتى معزولون عن أنفسهم، إنهم بلا هوية، مجرد خراف فى القطيع، وكل فرد فى القطيع هو ضائع، ويكفى أن نقرأ مثلا الألقاب التى يمنحها لأنفسهم إرهابيو الإخوان المتسترون فى اسم «جماعة أنصار بيت المقدس»، ففى نعى ذلك التنظيم لقتلاه فى عملية «عرب شركس»، يقول بيان: البطل المجاهد فهمى عبدالرؤوف محمد (أبودجانة)، والأسد المغوار سمير عبدالحكيم (أبوالبراء) وهذان المتحابان فى الله لم يفرق الله بينهما فى الحياة ولا الممات تركا الدنيا وزخرفها وأموالها وانطلقا لجهاد النصيريين فى الشام ثم عادا لجهاد المرتدين فى مصر فكانا سيفين من سيوف الله لنصرة الإسلام والمستضعفين، والليث الهصور محمد محسن على محمد (أبومصعب) مسعر الحرب ورجل العصابات لطالما مرغ أنوف الطواغيت فى التراب، والبطل المجاهد محمد سيد محمود أحمد (أبومصعب)، والبطل المجاهد أسامة سعيد عبدالعزيز (أبوعمر)، والبطل المجاهد عبدالرؤوف فهمى عبدالرؤوف (أبومعاذ). ليس الأمر هنا مجرد أسماء مستعارة لمراوغة الأمن، بل هو عقيدة لدى هؤلاء، لا يؤمنون بأسمائهم ويهربون إلى الماضى لاستعارة أسماء أخرى. هذا الذى لا يشعر باسمه، يبدو منطقياً تماماً أن يستوقف سيارة إجازات جنود ويغتال من فيها غدراً، ويبدو منطقياً أن يفجر نفسه التى لا يؤمن بها، ويقتل النفس التى حرم الله قتلها، ويستبيح حرمات ودماء المغايرين له، هو أصلاً لا يؤمن بشىء، كافر إلا بالقطيع، ولا جدوى من حوار أو مصالحة أو تعاطف مع هذا فهو لا يعرف أصلاً معنى كل تلك القيم، هو يسير فى قطيع القتلة، ويظن أن تلك موهبته الكاملة.