حينٌ من الدّهرِ تحتَ جفنيّ، وعلى كفيَّ بقايا وردةٍ. أمشي بشعوبٍ من الغجرِ الفارّين خلفَ بركةِ الوقتِ. لم أكنْ وحيدًا؛ كنتُ وحشًا في عالمٍ من النّصاعةِ والبريقِ المعدنيِّ. الفراغُ يتوالدُ خلاءً، يلتهمُ ما تبقّي من الغابةِ في روحي، وأصرعُ الكلماتِ أُضحيةً على عتبتِكَ. أيَّتها الشّاهقةُ في البعدِ والغضبِ، الرءوفةُ كالوردةِ والشّجرةِ. لماذا تلمعُ البحارُ بيننا كوحشٍ معدنيٍّ؟ لا طيرَ يطيرُ فوقَها. ولا سهمَ الحبِّ الذي يطلقُهُ ملاكٌ عاطلٌ يرتدُّ عن المُضغةِ المعذبةِ بالأرقِ والوحشةِ. أهتفُ للطريقِ وللوردةِ الصّغيرةِ في يدي: كلُّ قلبٍ معذبٍ كان قلبي في حياةٍ سابقةٍ. ما بي من ندمٍ، ولا يقينٍ. الطّريقَ يمتدُّ كغوايةٍ؛ وليسَ علىَّ التراجعَ صوبَ الماضي الذي تساقطَ كقطعِ الدّمومينو. كنتُ متعبًا، أرتجفُ من الحمّى والنّداءِ الغامضِ. ذابلاً كنبتةٍ على الشّرفةِ، بلا أهلٍ كسماءٍ تصابُ بوعكةِ الشّتاءِ خلسةً. أبصُّ للحيطانِ العاليةِ؛ كخرائطَ أصابَها الصّممُ. النّهرُ جفَّ، الشّجرةُ على الحافّةِ تقاومُ الغيبوبةَ، البحرُ على نقالةٍ في الصّباحِ. حينَ أنظرُ في قلبي: أجدُ رملاً مبلولاً، الضّجيجَ الخافتَ يعلو، أعرفُ أنَّ قلبي مصابٌ بأرقِ الليالي السّوداءِ، وأنَّ الحنينَ والملحَ يترسّبان في خرافةٍ عن غجرٍ عابرين في أغنيةٍ طويلةٍ؛ تضجُّ بالنّحلِ والدّمعِ الأبيضِ. يا ويلي! هل كنتُ ضائعًا إلى هذا الحدِّ؟ هل كانَ الحبُّ، والدّمُ، والبحرُ، والصّحراءُ، والتّعبُ خرائطَ الرّوحِ، أم عدوى من أجدادٍ عابرين في الاشتهاءِ والرحلةِ الطّويلةِ صوبَ ذراعيكِ. تكدّسين الأرقامَ، الخرزَ الملوّنَ، الجواهر، تحت حافّةِ السّريرِ؛ وأجتازُ صحراءَ من ندمٍ صوبَكِ، فالسّريرُ الذي حملَ نومَكِ؛ مباحٌ لأسراري، والغموضُ الشّاهقُ كعينِ الشّمسِ. مشيتُ طويلاً، بكتابٍ أوراقُهُ تنمو في صدري عشبًا متوحّشًا يتسلّقُ شفاهي، أمرُّ بالمدنِ: البيضاءِ والحمراءِ والقبابِ العاليةِ؛ تتطايرُ الكلماتُ من الورقِ، وتعودُ محمّلةً بالأصداءِ، والروائحِ، والدّمِ. كيف أحبُّكِ بلا خسائرَ ولا ندمٍ؟ كيف أحبُّكِ دونَ أن يقفَ الغرابُ على حافّةِ الأسطورةِ والحجرِ؟!! الرّحلةُ ابتدأتْ. وقد أُحرِقت سفني على الشاطئِ.