هذا الصباح كانت نافذتي مختلفة، لا تحمل الحياة كعادتها، بالكاد اتنفس، كان غيابك هو ذا، أم تلك رياح الخماسين؟؛ ليست كل الرياح رطبة، فرياح الخماسين في منتهي الجفاف، قاسية اللون، صفارها مزعج، تلقي في القلوب الحزن، حتي لو لم تمسة بسوء، غريب فهي معلومة التاريخ منذ الأزل، ندركها مع أوراق نتيجة الحائط، وترمومتر السيارة، ترتفع الحرارة، ويزداد العطش، ونتنفس ذرات الألم، تتلون الرموش بلون باهت، ونتحرك نحوهم لنحتمي من قسوة الرياح، قدر ما يفرد ذراعيه لاستظل، قدر ما يخفيها مع حدة سرعة رياح الخماسين، لعلني لا أجد ما أستظل به أحيانا سواي، تبقي دعوتي أن تغيب الخماسين أبدا، فلا طاقة لي برياح تحمل معها الرحيل. نعرف أنها النهاية، لكن نتجاوز النظر اليها، توخزنا سنون المسافات، ونظن أنها مجرد الرياح التي تسبق الربيع، لا ننتبة أن الخماسين ترتيب إلهي منسق، تلقائي، تأتي خلفة الورود، لكن رياح التغيير التي تعصف بالبشر، لا تتبعها ورود، فالأشواك هي سلاح الخروج، وكيف لاتجرح الأشواك صغير العود، ففي الحب الكل عودة صغير، علي جناح الفراشات يحيا طالما دامت تحمله المشاعر، الرؤية الفوقية ممتعة، يدركها من إعتاد ركوب الطائرات، وعند أول هبوط إضطراري علي الأرض، تعمي الأتربة العيون، من قوة التوقف تدمع العين وتئن الأذن، وترتعش الأطراف من الصدمة. البدايات دائما وردية اللون، تحمل روائح العطر، وموسيقي مميزة، نسمعها في صمت اللقاء، تعجز كلمات الروايات عن الوصف أحيانا، لكن ينجح المرور الخاطف في فرط حبات الشوق، تود لو تلمس هذا الهواء المحيط بهذا الحبيب، تحلم أن تبقي اللحظات، لا يدرك أحدا أبدا أن البدايات مجرد بدايات، سيرة ذاتية لتسلسل الحياة المنطقي، بداية، منتصف، نهاية، نعجز عن الاقتناع أنها مجرد محطة من محطات الحياة، نتمسك بها للنفس الأخير، حتي لو أدركنا أنها عبرتنا الي منتصف الرحلة ، نخشي المواجهة ، فنظل نرجوها البقاء ، لعلها تدوم ، عشق البدايات موجع. تأخذني الخواطر الي هناك ، قبل الخماسين بقليل ، في تلك البسمة العذبة ، التي تختم الصيف مع أمواج البحر ، وتبدا شتاء دافئ ، يكون الهمس فيه هو وقود المدفاة ، وبينهما الخريف الذي لايعنيني فيه تساقط أوراق الشجر ، بل يعنيني فية شمسة التي ننتظرها حالمين ، نتريض بين الفصول ولكل فصل رياح ، إلا الخماسين ، دمت أختبئ منها ، وأتناساها ، أرتجي النوم حتي تنتهي، فالنوم رحمة من الموت عند الرحيل ، غضب الرياح لايتوقف إلا بإقتناء الأشياء الغالية، وكأنه التحدي المرجو ، تأخذ معها أحد أسرار الحياة لتهدأ ، وتتركنا ها هنا في حاله خوف من المجهول، تستمر حتي تنتهي الصدمة ، لنبدا من جديد في سطور مقيدة. إليكي رياح الرحيل، لا تأتي في عجاله، فأنا لم أنتهي من شتائي الدافئ بعد، لم يغرقني المطر للنهاية، كوني رحيمة بأرض ترتجي القطرات، فدعيني أمزق تاريخك من أوراقي، وأمنحيني بعض الوقت، فقد تمطر وتنمو أغصاني الجديدة، أو تسطع شمس الربيع وتتفتح ورودة دون مرورك، وندرك مرح الأطفال، فلطالما أشتاق إليه كصغار الطير، أنتظر الوقت لاتعلم الطيران، يشتد جناحي والعود، فنطير سويا لمكان تمطر فيه طوال العام، نشعل فيه النار، ونخط الأشعار، تتلامس المشاعر خلف نافذة ممطرة، أختبئ بمعطفه الداكن، وتسقط من قاموس كلمات "رياح الخماسين".