بين موقع إلكترونى للجمعية التأسيسية يحوى فقط الصياغة المبدئية لباب واحد فى الدستور الجديد هو باب «الحقوق والحريات»، وبين مسودات متنوعة وأحيانا متضاربة لأبواب أخرى ومقترحات بمواد دستورية تتداولها وسائل الإعلام وتنفيها التأسيسية، يعانى الرأى العام فى مصر من غياب شبه كامل للحوار المجتمعى الجاد حول الدستور. وبالقطع يسهم فى تعميق أزمة الحوار المجتمعى هذه الموقف المبدئى الرافض للتأسيسية لدى قطاعات مؤثرة فى الرأى العام والمرتبط بعدم توازن تشكيلها إن سياسيا وفكريا أو لجهة الكفاءات الكثيرة البعيدة عنها. والخطير هنا، وبافتراض استمرار عمل الجمعية التأسيسية، هو أن المواطن قد يستيقظ ذات يوم ويطالع فى وسائل الإعلام نصا دستوريا متكاملا ويصبح مطالبا فى غضون فترة زمنية وجيزة ببناء رأيه بشأن النص والتصويت عليه ب«نعم» أو«لا» فى استفتاء شعبى. هكذا دون أن يكون قد تابع نقاشا جادا ونقديا ومطولا حول مواد الدستور، وهو ما قد يعيد إنتاج ما حدث فى استفتاء التعديلات الدستورية 2011 الذى أُخرج من سياقه الحقيقى وزيف إلى تصويت مع الشريعة الإسلامية أو ضدها. والمؤلم هنا هو أن غياب الحوار حول الدستور يضيع علينا جميعا فرصة ذهبية لتوعية المواطنات والمواطنين سياسيا وفكريا وثقافيا وصولا لفهم متماسك لأهمية الدستور ومواده التى تحدد هوية الدولة والمجتمع وطبيعة النظام السياسى وحقوق وحريات المواطن العامة والشخصية. ما العمل إذن لتجاوز أزمة الحوار المجتمعى حول الدستور؟ ربما يتعين على التأسيسية التواصل بجدية مع الرأى العام عبر مؤتمر إعلامى يومى يرصد ما دار من نقاشات بلجانها المختلفة وينشر بشفافية كاملة الصياغة المبدئية لمواد الدستور ولأبوابه حين يتم الانتهاء منها. ويمكن للمتحدث باسم التأسيسية وللمتحدثين باسم لجانها، وكما اقترح الأستاذ الدكتور حسام عيسى فى حوار تليفزيونى، أن يطالبوا وسائل الإعلام المرئية، العامة والخاصة، بالبث المباشر للمؤتمر ويلزموها به عبر قرار حكومى. تستطيع التأسيسية، وبها لجنة للحوار المجتمعى، أن تتواصل مع المواطن المهتم على نحو مباشر فى مراكز الشباب وقصور الثقافة والمنتديات الاجتماعية وتمزج فى الجلسات العلنية بين تفصيل الصياغة المبدئية لمواد الدستور وتلقى مقترحات المواطن بشأنها. كذلك ينبغى على الأحزاب السياسية والقطاعات المؤثرة فى الرأى العام التى ما زالت على رفضها للتأسيسية أن تنتقل الآن، دون تجاهل موقفها المبدئى، والذى أتبنّاه أيضا، إلى التعامل المنظم والنقدى مع ما ينجز من صياغات لمواد وأبواب الدستور وتمارس مهمة التوعية وتنشيط الحوار المجتمعى. فمجرد رفض التأسيسية لن يسعفنا إن استيقظنا نحن أيضا على نص دستورى متكامل سيطلب من المواطنات والمواطنين الاستفتاء عليه. دعونا لا نضيع فرصة الحوار المجتمعى الجاد والمعمق حول الدستور ورفع مستويات وعى المواطن سياسيا وفكريا وثقافيا. وعلى التأسيسية أن تدرك أن غياب التوافق العام بشأنها ليس له من دواء إلا الحوار المجتمعى ودون حواجز زمنية تعسفية.