سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الوطن» داخل معمل الحمض النووى: جهاز وحيد للتحليل وميزانية هزيلة.. وثلاجة واحدة «لا تكفى» لحفظ العينات الجهاز يعمل منذ 9 سنوات دون بديل.. والأطباء يضطرون إلى «دفس» العينات فى ثلاجات صغيرة بالطرقات
بجهاز واحد يتيم يعمل منذ 9 سنوات وميزانية محدودة لا تزيد على 400 ألف جنيه، وفى ظل عدم وجود ثلاجات كافية لحفظ العينات - يجرى العمل فى معمل الحمض النووى بمصلحة الطب الشرعى التابع لوزارة العدل، وذلك رغم المهام والمسئوليات الضخمة الملقاة عليه فى تجريم البعض أو تبرئة آخرين والتعرف على هوية أصحاب الجثث والبت فى نسب الطفل لأبويه. وعلى الرغم من ضعف الإمكانات يبدو العمل هنا كخلية نحل، المهام مقسمة والإتقان والدقة عنوان المكان، هؤلاء مجموعة من الأطباء مهمتهم استخلاص العينات من الأحياء أو جثث الموتى، وآخرون يحضرون العينات فى أنابيب غاية فى الصغر، ثم تأتى بعد ذلك مهمة وضع العينات فى أجهزة معقدة لتتمكن فى النهاية من تحديد البصمة الوراثية لصاحب العينة. العمل داخل المعامل المركزية بمصلحة الطب الشرعى مقسم إلى 5 أقسام، أشهرها معمل ال«دى إن إيه»، إضافة إلى معمل الباثولوجى، ومعمل الذكورة، والثيرولوجى، وأخيراً قسم البكتيرولوجى. وأول خطوة يقوم بها الأطباء هنا هى عملية استخلاص العينة؛ من الدم، العضلات، العظام، الشعر، الأظافر، وذلك حسب حالة الجسم. الدكتورة هدى رخا، رئيس وحدة الحمض النووى، تتحدث عن طبيعة العمل قائلة: «بدأنا العمل بشكل يدوى على عدد قليل من المواقع الوراثية فى العينة، ومنذ عام 2005 بدأنا بطريقة أوتوماتيك تسمى (جى أنالايز) تمكننا من العمل على عدد أكبر من المواقع الوراثية لتحديد البصمة الوراثية للشخص». ولفتت إلى وجود أنوا ع كثيرة من القضايا التى يجب فيها إجراء تحليل الحمض النووى أو ما يسمى بالبصمة الوراثية -وهى المواقع الوراثية التى يتوارثها الأبناء من الآباء والأمهات- وفى صدارتها قضايا النسب، و«نحن لا نستطيع إجبار أحد على أن يأتى لعمل تحليل البصمة الوراثية، لأن الأمر يأتينا إما من النيابة أو المحكمة، وفى حالات كثيرة يمتنع الرجل عن الحضور، وأضطر لإرسال خطاب إلى النيابة أو المحكمة أبلغهم فيه بإعطاء الشخص 3 مواعيد وتخلف عن الحضور فيها جميعاً». أما ثانى نوع فهو قضايا «الاستعرافات» كما حدث فى أحداث فض اعتصام «رابعة»، حيث كانت هناك جثث مجهولة وأهالى يبحثون عن أبنائهم، وبالتالى تكون وظيفتنا أخذ عينات من الجثة ومن الأحياء ويتم مضاهاة العينات للتعرف ما إذا كانت تخص هؤلاء الأشخاص أم لا، وبالفعل تعرفنا على 36 جثة من 75 جثة مجهولة، ولا زال هناك إلى الآن أهالى يتوافدون علينا لطلب عمل تحليل البصمة الوراثية فى قضية «رابعة»، كما نعمل فى قضايا هتك العرض والقتل والجنايات بشكل عام. وعن العينات التى يتم أخذها من الجثث تقول «رخا»: «يختلف ذلك وفقاً لحالة الجثة ذاتها، فإذا كانت سليمة ولم يفت على وفاة الشخص 3 أو 4 أيام كحد أقصى، فمن الممكن أن نأخذ عينة من الدم حيث لا تكون الجثة قد بدأت مرحلة التعفن بعد، وخلال أسبوع تظهر النتيجة. أما إذا كانت الفترة أطول من ذلك أو فى حالة تعرض الجثة لأى تشويه أو حرق، ففى هذه الحالة يستحيل أخذ عينة من الدم ونلجأ لأخذ عينة من العضلات، وفى هذه الحالة يستغرق ظهور النتيجة 10 أيام تقريباً. أما إذا كانت الجثة مر عليها فترة طويلة أو أصبحت فى حالة يصعب فيها أخذ عينة من العضلات، فنلجأ حينها للعظام، وهذا النوع يستلزم فترة أطول فى التحضير قبل أن نبدأ فى استخلاص الحمض النووى، ويتم ذلك من خلال طحن العظام ثم نأخذ منها عينات بأوزان معينة ويضاف إليها مواد كيماوية، بها نستطيع أن نستخلص ال«دى إن إيه» من الخلايا الموجودة داخل العظام. وهذا يحتاج مجهوداً أكبر من الأطباء، خاصة أنه فى بعض الأحيان تأتينا العظام محروقة، وهنا يصعب ويكاد يستحيل استخلاص الحمض النووى». وواصلت «رخا» حديثها بالقول: «يبلغ عدد القضايا التى تصلنا سنوياً ما يقرب من 200 قضية خاصة بجرائم القتل والاعتداءات الجنسية، إضافة إلى قضايا النسب التى يتراوح عددها بين 200 و300 قضية. وزادت قضايا الاستعراف فى الفترة الأخيرة خاصة بعد زيادة بشاعة ارتكاب الجريمة، إذ لم يعد المجرم يكتفى بقتل ضحيته بل أصبح فى كثير من الحالات يشوهها أو يقطعها أو يحرقها. وفى حالة تقطيع الجثة يكون العمل شاقاً فى التعرف عليها، حيث نضطر لجمع كل الأجزاء وتحليل ال(دى إن إيه) منها كلها حتى نتمكن من التأكد من أن جميع الأجزاء تخص شخصاً واحداً فقط. أما فيما يخص قسم ال(دى إن إيه) فيتراوح عدد القضايا التى يطلب فيها منا هذا النوع من التحاليل بين 600 و1000 قضية». وفى داخل معمل الحمض النووى تجلس مجموعة من الطبيبات يقمن بتحضير العينات قبل وضعها داخل جهاز إظهار البصمة الوراثية. تقول الدكتورة جيهان عبدالوهاب: «بعد استخلاص الحمض النووى من العينات، سواء كانت دماً، عظاماً، عضلات أو غيرها، يتم وضعها فى أنابيب صغيرة ثم توضع فى جهاز يسمى first step realtime»، لقيات كمية الحمض النووى وتأتى بعد ذلك خطوة إكثار الحمض النووى على حد قول الدكتورة منى حمزة، وتضيف: «أى عينة لا تكون كمية (الدى إن إيه) بها كافية لإظهار البصمة، لذلك بعد القياس نقوم بعملية إكثار فى جهاز الدوار الحرارى الذى يغير درجات حرارة الخليط، ثم يجرى إظهار البصمة الوراثية بجهاز Gen analyzer على شكل منحنيات، وهذا الجهاز موصل بجهازى كمبيوتر، وتخرج البيانات على شكل منحنيات مختلفة فى مواقعها، وكل منحنى له رقم. ونقوم بتحويل المنحنيات لأرقام تمثل ما يسمى البصمة الوراثية للشخص. وبعد ذلك يتم مقارنة البصمة الوراثية بالأب والأم للتعرف على الشخص، ومن الممكن استخدام تحليل ال(دى إن إيه) فى حالة الجثث غير المتعرف عليها». وتشرح دكتورة جيهان عبدالوهاب كيفية استخدام البصمة الوراثية فى تحديد هوية الشخص قائلة: «أى إنسان يرث نصف عوامله الوراثية من الأم والنصف الثانى من الأب، وبالتالى نصف بصمته الوراثية متشابه مع الأب والنصف الآخر متشابه مع الأم، وإذا لم يكن الأب والأم موجودان فهناك درجات قرابة يمكن تحديد هويته من خلالها». وتشير «عبدالوهاب» إلى إشكالية تحدث نتيجة إرسال بعض الجهات الرسمية التى نتعامل معها أى شخص من أقارب المطلوب التعرف على ال«دى إن إيه» الخاص بهم، دون أن يكون لذلك أى جدوى، حيث إنه فى حال عدم وجود الأب والأم والأخوات من الدرجة الأولى نلجأ إلى ذكور العائلة، وفى هذه الحالة الأخيرة لا نستطيع تحديد هوية الجثة بالضبط لكن يمكننا أن نؤكد أو ننفى انتماءه للعائلة فقط، ويتم بعدها تفسير النتيجة العلمية التى حصلنا عليها فى جمل واضحة وإرسالها إلى الجهات المعنية سواء للنيابة أو المحاكم. وعن نقص الإمكانيات التى يعانى منها قسم ال«دى إن إيه» تعود الدكتورة منى حمزة لتقول: «نحتاج ثلاجات بدرجات حرارة معينة لحفظ العينات، خاصة أن لدينا عينات محفوظة من عام 2008 حتى الآن، ونقوم بحفظها فى الثلاجات الموضوعة فى الطرقات خارج القسم. أما العينات التى تأتينا هذه الأيام فنضطر فى معظم الأحيان إلى (دفس) العينات فى الثلاجة الموجودة داخل المعمل، حيث لا يوجد سوى ثلاجة واحدة داخل القسم درجة حرارتها -40، والحل الوحيد لهذه الأزمة أن يتم توفير غرفة تبريد نجمع كل العينات فيها»، والصعوبات التى يواجهها العاملون فى معمل ال«دى إن إيه» لا تتوقف عند حد نقص الثلاجات أو ضيق المساحة؛ «ولكن أكبر المشاكل تكمن فى وجود جهاز واحد فقط لإظهار البصمة يعمل منذ 9 سنوات»، هكذا تؤكد د. رخا داعية إلى ضرورة توفير جهاز بديل تحسباً لحدوث أى عطل به. ورغم أن الشركة التى صنعته تجرى صيانة دورية له، فإن لكل جهاز عمراً افتراضياً، إضافة إلى أن الشركة تنتج نوعاً جديداً كل 10 سنوات، و«علمنا أنهم أنتجوا بالفعل نوعاً جديداً، وهذا يعنى أننا قد نواجه صعوبة بعد عدة سنوات فى الحصول على قطع غيار للجهاز الذى لدينا»، وتضيف «رخا» أنه رغم ارتفاع نسبة الاعتماد على تحليل «دى إن إيه» فى الفترة الأخيرة، فإن الميزانية لدينا ثابتة لا تتغير ولا تتعدى 400 ألف جنيه فى العام، فى الوقت الذى نحتاج فيه إلى أمصال وكيماويات بما يقرب من 600 ألف جنيه، وفى بعض الأحيان خاصة فى القضايا التى تهم الرأى العام مثل أحداث «رابعة» زادت لدينا بعض الإمكانيات حتى يمكننا الإسراع فى العمل وحتى يتمكن الأهالى من التعرف على جثث ذويهم، وتم توفير أمصال وكيماويات للمعمل بما يقارب 100 ألف جنيه. وتؤكد «رخا» أنه لا يوجد فى مصر قاعدة بيانات «دى إن إيه» لكل مواطن، باستثناء بعض الجهات الأخرى مثل الجيش والشرطة التى لديها قاعدة بيانات بصمة وراثية خاصة بها. وتابعت: «حادث محاولة اغتيال وزير الداخلية علمنا أن هناك أشلاء خاصة بشخص واحد، ولكن اكتشفنا أن جزءاً منها خاص بأحد المصابين الذى فقد إحدى قدميه فى التفجير، ولكن لم يمكننا التعرف على جثة الإرهابى الذى نفذ العملية، وقال مصدر فى الطب الشرعى إن الفنانة زينة توجهت مع طفليها إلى المعامل المركزية وأجرت تحليل «دى إن إيه» لإثبات نسب طفليها للفنان أحمد عز لكنه لم يتوجه لإجراء التحليل حتى الآن.