اجتمع المشايخ بعد صراعات داخلية دامت لسنوات وحالت دون اجتماعهم أو توحدهم! وذكرنى الخبر -السعيد- بزيارة قمت بها لإحدى قرى طنطا أثناء التحضير لمعرضى للفن التشكيلى عن التصوف الإسلامى، وكان الصراع على أشده بين التيارات السياسية الإسلامية والتيارات المدنية فى انتخابات برلمان (الندامة) المسمى ظلماً وزوراً برلمان الثورة، وقد حللت يومها ضيفة على شيخ إحدى الطرق الأحمدية المنتسبة إلى القطب الصوفى، شمس الشموس وبحر العلوم والمعارف سيدى أحمد البدوى، المصدر الإلهامى والمدد الصوفى لأكثر من اثنتى عشرة طريقة صوفية فى مصر والعالم العربى، وكان بينى وبينه حديث ذو شجون عن التصوف فى مصر ومستقبله ومخاوفه، وسألته خلال الحديث إن كان مشايخ الطرق الصوفية قد أعطوا توجيهات لمريديهم بمقاطعة حزب معيّن خلال الانتخابات البرلمانية، علماً بأن بعض الأحزاب شنّت حرباً على الصوفية مؤخراً، فأجابنى بالنفى عملاً بقول سيدى أحمد البدوى: «لا تؤذِ من يؤذيك، واعفُ عمّن ظلمك، وأعطِ من حرمك، وأحسن إلى من أساء إليك». وعرفت منه معلومة أبهرتنى، وهى أن عدد المنتسبين إلى الطرق الصوفية المقيدين فى كشوف الطرق الصوفية بمصر والمسجلين بالمجلس الأعلى للتصوف هو 11 مليون صوفى!!! وطوال طريق عودتى من طنطا ظلت هذه التساؤلات تعصف بذهنى: ماذا لو اجتمعت الصوفية على قلب رجل واحد؟ ماذا لو أن المشايخ اتفقوا على عدم التصويت للإخوان أو السلفيين؟ وماذا لو اتفقوا على تأييد أحد المرشحين للرئاسة فتبعهم فى ذلك 11 مليون صوفى ينتشرون بمصر من أقصى رفح إلى جنوب أسوان؟ فلا تخلو قرية ولا نجع ولا زاوية من طريقة صوفية، علماً بأنهم يطيعون مشايخهم طاعة التلميذ لمعلمه، فمن أدبيات التصوف أن المريد بين يدى شيخه كالميت بين يدى مغسِّله، كناية عن التسليم والخضوع والانصياع الكامل القائم على الحب والوداد، لا على الغلبة والقهر، فما يفعله الشيخ أو يوحى به هو دستور حياة لمريديه. وأريد أن أوضح للقارئ هنا أن ما أشيع عن مقاطعة الطرق الصوفية كلها للانتخابات البرلمانية وقتها غير صحيح، فشيخ الطريقة العزمية التى لا يتجاوز عدد مريديها بضعة آلاف، وانضمت إليه طريقتان هما الشبراوية والشرنوبية، وكل منهما لا يتجاوز أنصارها أنصار العزمية عدداً، هم من نادوا بمقاطعة الانتخابات، مما يعنى أن جمهور الصوفية لم يتحرك وقتها تحركاً منظماً. اليوم، وبعد عامين من رحلتى هذه، يتحقق الحلم ويجتمع مشايخ الصوفية على قلب رجل واحد، ليؤكدوا للعالم الإسلامى أن توحدهم سوف يكون له عظيم الأثر، لأنه لن يضم فقط ال11 مليون مصرى المنتسبين إلى الطرق الصوفية، وإنما سوف يضم أيضاً الملايين من بسطاء المصريين الذين تزخر قلوبهم بحب آل البيت الأطهار وأولياء الله الصالحين..