هل العالم يسوء فعلاً؟ أم أن خوفنا من الآتي وكل ما يختلف عن ما خبرناه هو ما يصيبنا بهذا الإحساس الرافض لكل ذلك؟ بالفعل هناك ظواهر غريبة لم أستطع فهمها في ضوء ذلك التفسير: فأكثر فيديو كليب محترم الآن لو كان عُرض منذ 10 أعوام لأغلقوا القناة للأبد! لكن..ألم يكن الحال هكذا معنا نحن وقت أن كنا أطفالاً ومراهقين؟ أذكر أن والدى –رحمه الله- كان كلما رأى وجة عمرو دياب فى التلفاز يردد: "ايه القرف ده، جايب معاه شوية رقاصين وعمال يتنطط ويقول ويلومونى ما يلومونى؟ فين عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وكلامهم الراقى وأفلامهم الجميلة". لكن حتى والدتى حكت لى فى إحدى الأيام عن الحروب والمؤآمرات التى كانت تُحاك ضد الفنان عبد الحليم حافظ من المطربين الكبار وقتها، ووصف جيل الكبار له وقتها أنه "مُطرب الشباب التافة". يبدو أن حتى عبد الحليم حافظ لم ينجُ من تلك الدائرة وكان فى أحد الأيام يُنظر إليه أنه المطرب السنتيح التافة الذى يسمعه الشباب الرقيع! تماماً كما كانوا يتهمون الفتيات اللاتى كنّ يقرأن روايات إحسان عبد القدوس ويوسف السباعى فى الستينيات بالإنحلال وإنعدام الخلق، وعلى هامش هذا الموضوع لا أنسى بالطبع أن أذكر بالخير نيابة عن أبناء جيلى كل من كانوا يستخفّون بنا عندما كنا نقرأ "رجل المستحيل" و "ما وراء الطبيعة" وكانوا يصرون على تسميتها "ألغازاً"، وأخص بالذكر أستاذ اللغة العربية فى الصف الثانى الثانوى الذى وصف ما وراء الطبيعة عندما رآها في يدي أنها "قصص شيطانية"! وعلى سيرة تلك ال"ألغاز" التى تربينا على يد كتّابها، يحدثنا د. أحمد خالد توفيق فى إحدى مقالاته القديمة التى نُشرت بموقع بص وطل تحت عنوان "انا لم أتغير..الحياة تغيرت" عن ذكريات والده التى كان يحكيها له باستمرار قائلاً: "هي الفراخ بتاعتكم دي فراخ؟.. دي عصافير.. كنا بنشتري عربية وفيلا ودستة بيض بنص ريال. كانت الدجاجة بحجم الخروف والخروف بحجم ديناصور ترايسيراتوبس، وكانت للأزهار رائحة حقيقية.. كانت الأغاني أعذب والفتيات أجمل والأفلام أمتع والبشر أنقى.. ". ثم يحكي لنا الكاتب بعدها اكتشافه أن عصر والده لم يكن بهذا النقاء بعدما قرأ عن ما كان يوجد وقتها من أبشع الحوادث مثل جرائم ريا وسكينة، وحادثة البواب الذى أغتصب الطفلة ذات الثلاثة أعوام إلخ..، وبعدها ينتقل بنا إلى الحاضر حيث اكتشف أنه أصبح يفكر بنفس طريقة والده ويردد نفس الكلام: "اليوم أنظر أنا بدوري إلى الوراء فيبدو لي أن الحياة كانت أفضل في صباي بكثير. قلت لابني إن الأغاني في عصري كانت أعذب والفتيات أجمل والأفلام أمتع والبشر أنقى... أرغمته على مشاهدة بعض أفلام السبعينيات على غرار (الأب الروحي) و(قصة حب) فشاهدها وقال لي بصراحة إنها (زي الزفت). أغاني البيتلز والآبا والبي جيز (خنيقة) جداً في رأيه.. ولم يحب أية أغنية من أغاني وردة الجزائرية الحارقة في أوائل السبعينيات مثل (حكايتي مع الزمان) و(اسمعوني).. طبعًا لم أحاول أن أسمِعه أم كلثوم فأنا لست مجنونًا.. لن يفهمها ولو بعد مائة عام.. قلت له في غيظ إنه بعد عشرين سنة -أعطاه الله العمر- سوف يُسمع ابنه أغاني (شاجي) و(إنريكي إجلسياس) و(فيرجي) ويعرض عليه أفلام (الرجال إكس) و(الفارس الأسود).. لكن الوغد الصغير سيؤكد له أنها (زبالة)، إلا أن ابني لم يصدق.. يعتقد أن الأخ (شاجي) خالد للأبد.. "