تريد الدول الخليجية التي سحبت سفراءها من الدوحة أن تضع حدا لمشاغبة قطر، إذ تتهمها بدعم منظمات معادية لها في الداخل والخارج، لا سيما الإخوان. ويرى محللون أن انفجار الخلاف الخليجي والخطوة غير المسبوقة التي اتخذتها السعودية والإماراتوالبحرين بحق قطر أمس، أتى بعد مسار طويل من الخلافات والوساطات التي باءت بالفشل. وأكدت الدول الثلاث أن قطر لم تلتزم باتفاق توصلت إليه الدول الخليجية في نوفمبر، ينص خصوصا على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء وعدم دعم الإعلام المعادي لأي دولة في مجلس التعاون. وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي السعودي ورئيس مركز الخليج للأبحاث عبدالعزيز بن صقر، إن "الخلاف يكمن في موقف قطر من بعض الجماعات التي تعتبرها الدول الخليجية إرهابية"، مؤكدا أن "دول الخليج لن تقبل باستمرار سياسة قطر كما هي". وعن هذه الجماعات، أشار بن صقر إلى الإخوان في الدرجة الأولى، فقطر وجدت في دعم الإسلام السياسي في أعقاب الربيع العربي فرصة لتوسيع دورها ونفوذها. ولكن المحلل أشار أيضا إلى مجموعات أخرى لم تنفذ قطر اتفاقات خليجية لمواجهتها بحسب الدول الثلاث، ومنها حزب الله الشيعي اللبناني و"مجموعات شيعية شيرازية في البحرين"، متهمة بممارسة الإرهاب، إضافة إلى "الحوثيين" في اليمن. أما في الداخل، فتعتبر الدول الثلاث أن قطر تحتضن معارضين و"تقوم بتجنيس أشخاص غير مرغوب بهم" في دول الخليج، بحسب بن صقر. وتدور حرب شرسة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين مجموعة من المعارضين للحكم في السعودية والإمارات والمؤيدين له، فيما يثني الفريق الأول على قطر ويشهر الثاني عداءه لها. وقد حكمت محكمة في الإمارات هذا الأسبوع على قطري بالسجن سبع سنوات بتهمة تقديم دعم مالي لجماعة محلية مرتبطة بالإخوان. كما استدعت الإمارات مؤخرا سفير قطر احتجاجا على تصريحات للداعية الإسلامي المصري القطري يوسف القرضاوي المقيم في قطر والذي يعد من أبرز المرشدين الروحيين لتنظيم الإخوان. وفي نفس الوقت، تستمر قناة "الجزيرة" بتقديم منبر للإخوان ولمعارضي الإدارة المصرية الجديدة التي يتزعمها الفريق عبدالفتاح السيسي المدعوم من الإمارت والسعودية. وكان تولي الأمير الشاب تميم بن حمد آل ثاني الحكم في قطر في يونيو الماضي أشاع موجة من التفاؤل بتحسن العلاقات الخليجية بعد تدهورها في عهد والده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس وزرائه الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني. إلا أنه "تبين لدول الخليج أن التغيير هو في الوجوه وليس في السياسيات"، بحسب بن صقر الذي أعرب عن اعتقاده بأن الأمير السابق الذي تنازل طوعا عن الحكم لابنه "هو الذي يدير الأمور". وبعد أن أوشكت العلاقات الخليجية على الانفجار قبل أشهر، تدخل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح وتوسط لعقد قمة سعودية قطرية كويتية في الرياض في نوفمبر 2013 وقع خلالها أمير قطر على الاتفاق الذي يؤكد عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء. وفي 17 فبراير، عقد أمير قطر اجتماعا مع أمير الكويت في الكويت بحضور وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، وتم الاتفاق على وضع آلية لتنفيذ اتفاق الرياض. إلا أن المسار وصل إلى حائط مسدود في الرابع مع مارس وفي اليوم التالي، أعلنت السعودية والإماراتوالبحرين سحب السفراء من الدوحة. وذكرت صحيفة "الخليج" الإماراتية أنه طلب من قطر "عدم احتضان المعارضات الخليجية" و"عدم دعم الإخوان المسلمين" و"عدم دعم الحوثيين في اليمن"، وقد وعدت قطر بتطبيق هذه الطلبات إلا أنها "أخلت" بوعدها. وفيما أكدت قطر أنها لن تسحب سفراءها من الدول الثلاث نافية الاتهامات التي وجهتها إليها هذه الدول، اعتبرت المحللة السياسية الإماراتية ابتسام الكتبي أن هذا الرد يدل على أن الدوحة "لا تأخذ على محمل الجد" الخطوة الخليجية. ويمكن أن تتجه الأمور نحو التهدئة إذا ما عاد أمير الكويت على خط الوساطة، إلا أن الأمير متواجد في الولاياتالمتحدة لتلقي العلاج بعد خضوعه لعملية جراحية. ولكن التصعيد وارد أيضا بحسب الكتبي وبن صقر. وقالت الكتبي، إن "سحب السفراء هو خطوة أولى وستنتظر الدول الثلاث تطور السياسة القطرية"، لكنها توقعت ألا تغير قطر توجهاتها. وبحسب الكتبي، فإن في قطر جناحين "واحد راغب في التصعيد وآخر راغب في التهدئة"، ولم تستبعد أن يكون "الأمير الوالد خلف الجناح الأول والأمير الشاب خلف الجناح الثاني". وفي كل الأحوال، فإن الخلافات الخليجية تطرح تساؤلات حول مستقبل مجلس التعاون الخليجي الذي أنشئ قبل 33 عاما في وجه صعود الثورة الإسلامية في إيران وبدعم من الولاياتالمتحدة التي يتراجع حضورها في الشرق الأوسط حاليا وتنفتح على طهران. وقالت "الكتبي" إن "الخلافات كانت موجودة في الماضي ومجلس التعاون الخليجي سيستمر لأن قطر شيء وقيادتها شيء آخر". أما "بن صقر"، فاعتبر أن "مجلس التعاون قد يتغير شكله ويقل عدد أعضائه، لكنه سيستمر".