ينظر في ساعته.. خمس دقائق، عشر دقائق، عشرون دقيقة: كل هذا الوقت قد قضيته انتظارا للطبيب!، رفع عينيه، اللتين ظلتا لدقائق طويلة محدقتين بساعته لينظر إلى الناس من حوله: "يااااه كل دول ناس مستنيين الدكتور؟ .. ده البلد كلها عيانين!". حيلة بسيطة يلجأ إليها الإنسان لتبرير عجز أو فشل، وهي إلقاء اللوم على الآخرين، فإن كنت أنا فاشلاً فالجميع فاشلون، وإن كنت لا أستطيع إيجاد عمل، فالجميع كذلك لا يجدون عملاً، وهنا يحاول هذا الشخص أن يطمئن نفسه من خلال عذرين اثنين، الأول: أنني لست وحدي في مٌستنقع الفشل، فالجميع معي.. والثاني: أن سبب فشلي ليس لأني مخطئ أو مقصّر وإنما فقط أنا ضحية مجتمع من الفاشلين. أما عن العذر الأول، فهو ما يُسمى بالتعميم، أي أن الجميع مثلي فاشلون، والمشكلة هنا أنه ليس مجرد تعميم مخل يفتقد لأبسط قواعد المنطق، إلا أنه أيضًا تعميم يهبط في الحضيض بالروح المعنوية لمن يسمعه، في وقت نحن في أمس الحاجة إلى من يرفع روحنا المعنوية. ولقناعتي أن المنطق أقصر الطرق للإقناع، دعونا نناقش هذا التعميم بالمنطق البسيط، يقولون الكل يفشل، الجميع لا يستطيع إيجاد عمل، والسؤال هنا: "أين هؤلاء الجميع؟".. إذا كان أحد أصدقائك أو جيرانك أو أحد ممن تعرفهم ناجحًا في حياته فقد افتقدت كلمة الجميع معناها لأن الجميع تعني الشمول!. أحدهم يرد عليّ الآن: نحن لا نقصد بهذه الكلمات أن الجميع لا يجدون عملاً، ولكننا نقصد أنهم كثيرون بسبب البطالة. وأرد عليه قائلاً: "مع التسليم بمشكلة البطالة التي نعاني منها، إلا أن للكلمات التي ننطقها أثرًا كبيرًا على عقلنا الباطن لا ندركه، فلو أنك فقط استبدلت كلمة "الجميع" بكلمة "الكثير"، إضافة إلى جرعة من التفاؤل والاجتهاد سيوجهك عقلك الباطن تلقائيًا ليصبح هدفك أن تكون من هؤلاء القلة الناجحين، بدلاً من أن توجهه أنت فيقتنع أنه لا مفر من الفشل، فالجميع فاشلون، ولتتأكد من أثر الكلمات على النفس أعد قراءة المقالة مرتين، الأولى وأنت تركز على كلمة النجاح والثانية وأنت تركز على كلمة الفشل، وأخبرني عن شعورك في المرتين. والآن دعني أنا أسألك كما سألتني، وفي هذا السؤال نٌناقش العذر الثاني ولأذكرك به.. العذر الثاني كان إن سبب الفشل ليس التقصير وإنما المجتمع الفاشل، دعني أسألك: لماذا تريد تعميم حالة سلبية مثل الفشل، ولا تريد تعميم حالة إيجابية مثل النجاح؟ أليس هذا الشخص الذي نال الدكتوراه بالأمس هو جارك وزميل دراستك؟.. أليست تلك الفتاة التي تعمل في إحدى الشركات الكبيرة هي صديقتك منذ الطفولة؟.. أليسوا هؤلاء وغيرهم من المجتمع؟.. لماذا لم يجعلوا من المجتمع عذرًا لهم؟. هذا المجتمع الذي نتحدث عنه هو نحن، أنا وأنت وهو وهي، إن اتفقنا جميعًا على أنه مجتمع فاشل، ففي رأيك من هم الفاشلون الذين نقصدهم؟!. كفانا أعذارًا، وليضع كل منا هدفًا أمامه لا يلتفت عنه، وإذا أخبرك أحدهم ان الجميع فاشلون، قل له لا تكن كهذا الذي رأى المرضى أمامه في المستشفى التي هي مكان المرضى فقال: البلد كلها عيانين!. (ملحوظة: الآراء المنشورة في قسم "م الآخر" كتبها القراء، ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع وجريدة "الوطن"، وإنما تعبر عن آراء أصحابها)