أتفهم الضجة العلمية والخلاف الكبير الذي أثاره الإعلان عن ابتكار أجهزة تشخيص وعلاج لأخطر الأمراض الفيروسية التي يواجها العالم بشكل عام والمصريون بشكل خاص، وهى الفيروس الكبدي «سى»، وعلاج فيروس «الإيدز». ولقد أثار هذا الكشف العلمي الكبير موجة من التساؤلات والسخرية التي تتناسب بالطبع مع أهمية هذا الاكتشاف وتأثيره، وآمال العلاج الكبيرة التي يحققها لملايين المصابين المصريين والمرضى حول العالم، ولكن للأسف فالغالبية العظمى من الآراء والكتابات لا علاقة لها بصحة أو خطأ الاختراع! ولقد أطلقت طريقة عرض الموضوع طوفانًا من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، واكتفى المنتقدون بموضوع الكفتة وتجاهلوا أن طرق التشخيص والعلاج المعلن عنها قد تكون "ثورية" أو اختراقا علميًا، وأن هناك أطباء يقولون إنهم جربوا الجهاز وأنه نجح في علاج الكثير من الحالات المرضية المصابة. وكان هذا الاكتشاف، ولا يزال مثارًا للتساؤلات والتأييد والإنكار من جميع المتابعين لوسائل الإعلام بجميع أنواعها، ووسائل التواصل الاجتماعي الشهيرة التي شهدت حربًا طاحنة بين المؤيدين والمعارضين للأساس العلمي لهذا الاكتشاف. ولكن للأسف تتحطم أي محاولة للنقاش العلمي للموضوع على صخرة التحيز السياسي الهيستيري للمتحاورين. ولقد ذكرني هذا الخلاف العلمي الكبير بما أعلنه الأستاذ الدكتور أحمد شفيق الجراح المصري الشهير، والذى تم ترشيحه لجائزة نوبل سنة 1981 وتم اختياره كأحسن باحث علي مستوي العالم، واختارته الهيئة الدولية العالمية "الكوميستا" الأول على علماء المسلمين من بين 500 عالم من دول العالم الإسلامي، كما حصل على وسام الدولة للعلوم والفنون سنة 1977م ... ولقد أثار (رحمه الله رحمة واسعة) ضجة كبيرة بعد أن ادعى في ثمانينيات القرن العشرين اكتشافه علاج لمرض الروماتويد ومرض الإيدز، حتى أن رئيس دولة الكونغو استدعاه ليقوم بتقديم علاجه السحري لأبناء بلده وكذلك قام "سفاح المهندسين" باقتحام بيته بحثا عن اختراعه، ووقتها تصدى له الكاتب الطبيب "يوسف إدريس" في مجموعة مقالات بجريدة الأهرام شرح فيها أصول البحث العلمي وطريقة توثيق النتائج وأثبت أن الدكتور أحمد شفيق لم يتبع أي شيء من ذلك بالرغم من أنه يدعي أنه اكتشف علاجًا لأخطر أمراض القرن العشرين وأن جائزة نوبل من ستصبح نصيبه لو ثبتت صحة هذه الاكتشافات. ومع الوقت اتضح عدم توفيق الأستاذ الدكتور أحمد شفيق، الطبيب العالمي المرموق في بحوثه، وأنه لم يكتشف علاجًا ناجعًا، وتم منعه من تقديم علاج الروماتويد قبل أن يحصل على الموافقات اللازمة. وبعد متابعة متأنية لكل ما تم إثارته ومناقشته عن كثب، ارتأيت أن أطرح بعض التساؤلات العلمية المشروعة على الفريق البحثي، وعلى العلماء المتابعين لهذا الحدث العلمي الفريد، ومنها: هل سأل المهللون للابتكار الجديد أنفسهم عن موقفهم إذا لم ينجز هذا العمل تحت مظلة المؤسسة العسكرية المصرية؟ ... وهل كان رد فعلهم هو نفس رد الفعل الحالي؟! ... ألا توجد شبهة للاستغلال السياسي وراء هذا الإعلان في هذا التوقيت؟ ... وهل يعلم المؤيدون دون تحفظ لهذا الابتكار بديهيات العمل في المجال البحثي، والمنهج العلمي للتفكير، وأن البحوث العلمية يجب أن تناقش في المؤتمرات أو على صفحات المجلات العلمية المتخصصة، وليس في المؤتمرات الصحفية، ويجب أن تخضع للتحكيم العلمي من قبل متخصصين ويجب أن تكون نتائجها قابلة للتكرار حتى يثبت صحتها بعد تكرارها من قبل متخصصين؟! وهل يعلم هؤلاء أن المنهج العلمي الأصيل قائم علي مبدأ اللامحققية أو "عدم التأكد" أو "عدم اليقين" أو "الريبة" (Uncertainty) .. وأن مبدأ الشك في العلم من حسن الفطن؟! ... وهل أيقن هؤلاء أن معظم مداخلاتهم في الأمور العلمية تستند إلى العاطفة التي تمنعهم من نقد المؤسسة العسكرية التي نقدرها ونجلها جميعًا، وليست لمعايير علمية صارمة وواضحة لا يختلف عليها أحد؟! ... وهل يعرف المزايدون على وطنية من يطالب بالحرص والتأني في الإعلان عن حدث علمي جلل، ومن يطالب بأن يكون الإعلان عنه بطريقة علمية رصينة واحترافية حتى لا يترك فرصة للتشكيك في هذا الاختراق العلمي الجديد، أنه قد يكون أكثر وطنية منهم وأكثر حرصًا على صورة بلده وعلمائها أمام العالم منهم؟! وهل يوجد اساس علمي لطريقة الاستدلال على الفيروس والعلاج غير النظرية العلمية الضعيفة التي أعلنها الفريق البحثي؟ والتي تستوجب تقديم الأدلة العلمية التي تؤكدها للمجتمع العلمي من أجل نقدها وتفحصيها... وكيف يتم نشر ورقه بحثيه في مجلة علميه مغمورة، وبوستر مؤتمر فقط من نتاج بحث علمي ضخم وفريد استمر لمده 22 عامًا، ويشرف عليه فريق بحثي كبير ومتخصص مكون من خبراء وأطباء متميزين، وتحت رعاية كاملة من قيادات المؤسسة العسكرية؟ وكيف يعتبر ذلك انجازًا علميًا فريدًا نفوز فيه بقصب السباق على مستوى العالم؟ ولماذا لم يتصدى علماء أكفاء للإعلان العلمي عن هذا الابتكار، ليجيبوا عن كل التساؤلات العلمية التي تحتاج لإجابات علمية موثقة؟ ولماذا تم الإعلان الآن عن هذا الابتكار دون أن تكتمل التجارب الإكلينيكية؟ ولماذا رفضت الوايبو (المنظمة العالمية للملكية الفكرية) تسجيل براءة الاختراع؟ وهل يعقل أن يكتب في طلب البراءة أن الجهاز يحدد المرض من على بعد 500 متر! وأنه شاور على مستشفى الحميات من الشارع أمام المبنى؟! ولماذا حاولوا تسجيل براءة اختراع، ولم تقبل على الرغم من الزعم بأن الابتكار سرى؟ ... ومن المعروف أنه لو تم تداول الجهاز، ومهما كانت سرية مكوناته فأنه سوف يتم تصنيعه وتطويره في الصين وفى غيرها من الدول، وفى هذه الحالة ستكون براءة الاختراع هي الفيصل، وهي السند الوحيد لنا لتأكيد ملكيتنا الفكرية للابتكار، ولماذا لم يتم الحصول على براءة الاختراعي بطريقة محترفة، ولدينا خبراء بأكاديمية البحث العلمي المصرية على أعلى مستوى في مجال براءات الاختراع؟! كيف يقال إن البحوث التي استمرت لمدة 22 عامًا تتسم بالسرية؟ على الرغم من أنه قد بدأت تجارب اكلينيكية على مرضى في مستشفى حميات العباسية وعلى مرضى في الهندوباكستان، وشارك في هذه التجارب الإكلينيكية أساتذة طب من مصر، ومن باكستانوالهند، كما تم عرض عمل الجهاز على أستاذ بريطاني؟... وماذا عن الأخطاء العلمية الفادحة المتكررة في تصريحات الفريق البحثي؟ (خطأ في تركيب الفيروس، خطأ في الحمض النووي الريبى لفيروس سي، خطأ في آلية انتقال العدوى، أخطاء في وصف أمراض بأنها فيروسية كالسكر والصدفية.. وغيرها؟) وصرح أحد خبراء الفريق البحثي بأنه يتم تصويم المريض لأن الفيروس يتحول لأحماض أمنية وهي جرعة غذائية كبيرة (شبهها سيادة اللواء بالكفتة)، في حين أن آخر صرح بأنه يتم التخلص من هذه الأحماض عن طريق الكلى؟! ... ولقد شرح سيادة اللواء نظرية العلاج بأنها تشبه الغسيل الكلوي، ويتم تنقية الدم من الفيروسات. وكلنا نعلم أن الفيروسات متخصصة العدوى، وأنها توجد في أنسجة خاصة في الجسم حسب طبيعة المرض، وتتواجد في الدم بعد تدمير الخلايا المصابة فقط، فهل سيكون غسل الدم طريقة مجدية لمثل ها العلاج؟ ... واين وزارة الصحة والبحث العلمي؟ ألا يجب أن تعقد الآن مؤتمرات لمناقشة هذ الابتكار علمياً واثبات صحته أو عدم صحته أمام الجهات العلمية والأكاديمية المتخصصة؟ على المستوى الشخصي اتمنى نجاح التشخيص والعلاج، فأنا أكثر من يحتفى بنجاح العلماء المصريين والعرب، وكتبت عن انجازات الكثيرين منهم من قبل. وعلى الرغم من وجود اساس علمي هش لاختراع أجهزة التشخيص والعلاج، لكن يبدو أن المخترع نفسه لم يدرس ذلك الاساس العلمي بشكل كاف، أو أن هناك تفاصيل أكثر لم يعلن عنها، ولهذا فأنا مقتنع بجدوى هذه التساؤلات العلمية المشروعة، وأنها بالفعل تحتاج لإجابات علمية رصينة، وبدونها فلن يتوفر أي دليل علمي مناسب لتأكيد هذا الإنجاز العلمي الفريد، وأتمنى أن يقوم المتخصصون في الفريق العلمي بالرد على هذه التساؤلات التي يطرحها المجتمع العلمي والطبي المصري، وغيرها من التساؤلات التي يجب أن نجد لها إجابات شافية، حتى تطمئن قلوبنا، ولنفتخر بضخامة إنجازنا البحثي، الذى سيقلب معايير الطب والعلاج حول العالم، وسيحدث ثورة علمية في جميع المجالات تحسب لمصر وللمصريين، والله من وراء القصد وهو يهدى إلى سواء السبيل.