«هو الواحد هيعيش قد ما عاش ولا هياكل قد ما أكل، ولا حتى هيشرب قد ما شرب؟! خلاص اللى راح مش راجع، المهم حُسن الختام».. قالها جمال أحمد إسماعيل مع تنهيدة عميقة لخص بها حياته. عمره 50 عاما، لم يتزوج قط، قضى عمره بحثا عن لقمة العيش، لكن الأمراض التى افترست جسده جعلت حلمه على كوكب الأرض يتضاءل حتى انحصر فى مقبرة يتمنى الحصول عليها قبل أن توافيه المنية. الدولة بالنسبة لجمال كيان لا يكف عن إيذائه بكل الطرق والأشكال: «أنا عاوز حاجة أتدفن فيها، العمر ولّى، خلاص مش عاوز شقة أتجوز فيها، عاوز مدفن أرتاح جواه. وأنا صغير كنت واقف هنا فى عبدالمنعم رياض، قبل الكبارى ما تتبنى والعماير الطويلة ما تطلع، كنت بركن عربيات وأسترزق، لكن جُم خدوا منى المكان بالعافية، ولما رحت أتكلم ادونى مساحة أشرف على ركنة العربيات فيها مقابل 1300 جنيه أوردهالهم شهرى، مالهمش دعوة بقى عربية اتسرقت، اتكسرت، أنا حصل لى حاجة، كل ده مش مشكلة، مرتبى اللى باخده فى الموضوع ده 70 جنيه»! الدولة التى ترى أن 70 جنيها ستجعل الرجل يعيش وتضن عليه بقبر أصدرت له قرارا بالعلاج على نفقتها حين أصيب بالفشل الكلوى، لكن الإجراءات الروتينية ومرضه الشديد جعلته يعجز عن الاستفادة بأى من الأموال التى سمحت له بها، وقد استمر به الحال ثلاث سنوات بين عيادات الغسيل الكلوى حتى أنفق كل ما لديه: «بعت عفش بيتى عشان أتعالج وأقدر أقف على رجلى من جديد، وفضلت فى الهم ده 3 سنين، الحمد لله ما بقتش أغسل، لكن ماشى بالعافية، وصحتى يوم كويسة وعشرة لأ، عشان كده نفسى يحققوا حلمى ويدونى التربة». لم يكن جمال من المستفيدين من الثورة: «أنا واقف هنا فى الميدان من 40 سنة، مفيش محافظ واحد كويس عدى على القاهرة، كلهم يقولولك أنا بابى مفتوح للكل، والحقيقة إنك عشان توصله محتاج مليون سنة، ولو قدمت شكوى بيبقى مصيرها صفيحة الزبالة. أنا شفت كل حاجة حصلت من أول الثورة، فيه عربيات عندى هنا اتكسرت، وللأسف من ساعتها بقى قليل لما حد يركن، ما بنكملش 150 جنيه اللى بندفعهم للحى فى اليوم، الناس المستريحين هم بس اللى حسوا بالثورة وفوايدها، لكن الغلابة الأرزقية اللى عايشين يوم بيوم زى حالاتى جت عليهم بالخراب والضرر».