لا يظهر من ملامحه شىء، فقط بشرة مدهونة باللون الأبيض الناصع، وخطوط سوداء صغيرة لتحديد «الحواجب» و«الفم»، هو محمد عبدالله (27 عاما) فنان «بانتومايم» أو فن التعبير الإيحائى، الذى يعتمد على إخفاء جميع ملامح الوجه الأصلية بتلك الألوان الثابتة التى تعتبر من أساسيات فن البانتومايم، وهو نوع من فن التمثيل الصامت المؤدى من قبل فنان أو مجموعة فنانين على خشبة المسرح، بغرض التعبير عن الأفكار والمشاعر والآراء عن طريق الحركة الإيحائية للجسم فقط. فن البانتومايم عرف فى الأساس لدى قدماء المصريين، وكان لبدايته قصة مثيرة؛ فعندما كان الملك لا يحضر المعركة كان يقوم بهلوانات البلاط بالتمثيل الصامت أمام الملك ليشرحوا له المعركة وذلك عن طريق تأدية حركات تقليد ورقصات بغرض التعبير، وليعرف الملك كافة تفاصيل المعركة التى لم يحضرها، وتم تطوير هذا الفن على أيدى اليونانيين حتى انتشر فى كافة أرجاء العالم. حكاية عبدالله مع فن البانتومايم بدأت منذ سنوات، فبالرغم من تخرجه من كلية الحاسبات والمعلومات، فإنه اختار لنفسه طريقا مختلفا منذ البداية: «مهتم بالمسرح منذ صغرى، وجذبنى جدا فن البانتومايم، لأنه أساس الفنون، فإذا نظرنا للحركات التعبيرية للطفل فى صغره سنجد أنه يمارس تلقائية فن المايم، حيث يطلب ما يريده دون كلام باستخدام حركات جسدية فقط». ويشير عبدالله إلى أن الأطفال هم الأكثر تفاعلا مع هذا الفن لقربه من طريقة تعبيرهم الأصلية. مدة عرض البانتومايم تتراوح بين خمس وعشر دقائق فقط، ويجب اختيار فكرة سهلة وواضحة للمتفرج، ويوضح عبدالله أن ممثل فن البانتومايم، أو «لاعب المايم» كما يطلق عليه، يجب أن يتمتع بمواصفات جسدية خاصة، أهمها الليونة والرشاقة لتوصيل كافة المعانى من خلال حركاته البسيطة، ويضيف عبدالله: «فن البانتومايم من أشهر الفنون فى فرنسا، وله جمهوره الكبير، ففى قهاوى الشارع يمر الممثلون لتأدية عروض بانتومايم للمواطنين وسط تفاعل كبير منهم، أما فى مصر فالأمر لم يصل إلى هذه الدرجة من الانتشار، خاصة أن هناك العديد من المعوقات أهمها التكلفة العالية لأى عرض بانتومايم، فالتدريب يحتاج أموالا غير قليلة، بالإضافة إلى نوعية المكياج الذى يستخدم على وجه لاعب البانتومايم، حيث يجب أن يكون من أنواع لها مواصفات خاصة وباهظة الثمن، لأن الأنواع الرخيصة تحتوى على مواد كيميائية قد تؤدى إلى حدوث تسمم لبشرة الممثل». التفاؤل هو ما يملكه عبدالله فى هذا الفن، فمن خلال العروض التى قدمها فى ساقية الصاوى أصبح مؤمنا أن الجمهور المصرى متقبل لهذا الفن الراقى ويقبل عليه: «مهرجان التمثيل الصامت يحظى دائما بأفضل حضور، وقدمت عروضا فى الشارع خلال مهرجان الكوربة بمصر الجديدة وأيضا فى الغردقة ومطروح، ودائما ما كنت أجد تفاعلا قويا من الناس، خاصة أن فن البانتومايم ليس فنا «سيرياليا»، بل يقوم على فكرة واضحة وبسيطة ويسهل استيعابها من قبل الجمهور».