منذ ثلاث سنوات وهتاف «الشعب يريد» يلاحقنا فى كل أوقات اليوم فى كل مكان وزمان وجريدة وبرنامج وفضائية وفيس بوك.. حصار متواصل وهتاف فى كل مناسبة وحدث وحادث.. الشعب يريد إسقاط النظام.. الشعب يريد محاكمة الرئيس.. ثم إعدام الرئيس.. الشعب يريد القصاص.. يريد محاكمة رموز النظام.. يريد أحكاماً قاسية.. الشعب لا يريد البراءة للجميع.. الشعب يريد تطهير القضاء.. محاكمة المجلس العسكرى.. إلغاء الشرطة.. إغلاق الأقسام.. إقصاء الفلول.. الشعب يريد الثورة مستمرة.. المد الثورى.. الموجة الثانية والثالثة والسابعة.. هدم مصر وبناءها من أول وجديد.. إعادة الهيكلة.. التطهير.. تحرير العقول.. تسريح الجيش المصرى على الحدود ليسهر على حراسة الشعب والبلد والباقى على القهاوى مافيش مانع.. الشعب يريد مرشحا من الثوار.. مرشحا يعبر عن الثورة المجيدة.. الشعب يريد رئيسا موظفا يسمع الكلام وهو ساكت.. ولو نطق بكلمة، ف«التحرير» موجود.. الشعب لا يريد الرئيس الزعيم ولا الرئيس المحبوب.. نريد رئيسا ديمقراطيا يطيع الأوامر.. رئيسا ببدلة رمادى.. بلا خلفية عسكرية.. الشعب يريد عيش وحرية وعدالة اجتماعية.. يريد تحقيق مبادئ الثورة حتى نجنى مكاسبها.. الشعب يريد مرشحا عسكريا.. لأ.. الشعب يريد مرشحا ناصريا يهتف بسقوط حكم العسكر.. الشعب دائماً هو الذى يريد.. ثلاث سنوات لم نسمع فيها سوى الشعب يريد.. من بعد تنحى مبارك والمرحلة الانتقالية والانتخابات ثم فترة حكم الإخوان وبعد السقوط وأثناء خارطة الطريق وقبل الاستفتاء وبعده.. وها نحن قد أقبلنا على انتخابات الرئاسة.. الشعب عاد مرة أخرى ليريد.. لجنة حكماء.. تقصى حقائق.. أجلوا الانتخابات.. لأ، نلعب من الأول.. الشعب يريد ديمقراطية ونحن نسب ونلعن وربما نضرب أى صاحب رأى مختلف.. نريد الحرية، فنشوه ونسخر ونبتز كل قائل ومتحدث وإعلامى ومسئول.. حتى وصلنا إلى حلقات إعلامية كالطوفان ماذا يريد الشعب من الرئيس القادم؟.. وكل اللى عنده طلب قاله.. الشعب يريد وظائف.. مرتبات.. مشاريع.. مساواة.. شوارع نظيفة.. مرور سهل.. سياحة بكثافة.. استثمار مهول.. كهرباء رخيصة.. بوتاجاز يملأ الشوارع.. لحمة بتلاتة جنيه.. تعليم رائع مجانى.. تأمين صحى على أعلى مستوى.. علاج ببلاش.. نجاح دائم فى المدارس والجامعات.. الامتحانات فى مستوى الطالب المتوسط وبحث علمى واختراعات، رغم أن الطلبة كلهم متوسطون.. ممنوع الرسوب.. جواز ببلاش.. شقق ببلاش.. زراعة مهولة وصناعة ومشروع قومى يلتف حوله الشعب ويعمل.. الشعب يريد كل شىء من الرئيس القادم وعلى الرئيس القادم أن يتصرف، مش هو الرئيس؟.. ونحن ماذا نفعل؟ نحن التسعين مليونا سوف نجلس على المقاهى وأمام التوك شو وننتظر مفاجآت الرئيس السعيدة ثم نبدأ فى الحساب العسير ولو قصر أو تأخر فالتحرير موجود.. لم يسأل أحد منا نفسه ماذا يريد الرئيس القادم من الشعب اللى هو إحنا؟ وماذا يمكنه أن يفعل بمفرده ونحن نجلس فى صفوف المشاهدين المترقبين تنفيذ كل الطلبات السابقة؟ لو أنا الرئيس القادم -لا قدر الله- لن أقدم برنامجا انتخابيا مزينا بالوعود والعهود والأمانى للتسعين مليون «مريد».. سوف أطلب من الشعب أن يعمل ويعمل ويعمل.. أن يذهب إلى عمله فى ميعاده بلا تأخير.. أن يمتنع عن تضييع وقت العمل فى قراءة الصحف والتحدث والرغى وتناول الإفطار وشغل التريكو فى العمل.. أن يلبى طلبات المواطنين بوجه بشوش وهمة وسرعة.. أن يمتنع عن أخذ الرشاوى وشرب الشاى.. أن يدفع فواتير الكهرباء المتأخرة التى لم تحصل منذ ثلاث سنوات للدولة.. أن يمتنع عن سرقة الكهرباء لكل التعديات التى تم بناؤها وتوغلت على أراض ليست ملكه وعلى فدادين زراعية تحولت إلى كتل من الأسمنت وعلى أكشاك انتشرت فوق الأرصفة كالوباء.. أن يمتنع عن إقامة مواقف الميكروباص فى الطرق العامة وأى شارع كبر أو صغر.. أن يمتنع عن تسيير التوك توك فى كل أحياء مصر القريبة والبعيدة ويدخل به إلى الحوارى الضيقة والأرياف. أن يزيل الأسواق القبيحة من شوارع وسط البلد ويعود بالملابس والشماعات إلى مكانها الأصلى فى سوق العتبة والموسكى والأزهر وسوق غزة.. أن يلتزم بالقانون فى الشارع وهو سائر وهو يقود العربة.. أن يمتنع عن الركن فى الممنوع أو يسير عكس الطريق.. أن يلتزم بإلقاء القمامة فى صناديقها ولا يعتبر أن الشوارع هى مقلب قمامة عام.. أن يفهم أن الحرية المطلقة فوضى مطلقة وأن حريته تنتهى عندما تبدأ حرية غيره.. أن يتوقف الأطباء عن الإضراب من أجل الكادر حتى يعود البلد إلى كونه بلدا.. أن يتوقف الصيادلة عن مسيراتهم من أجل شىء لا أفهمه.. أن تتوقف إضرابات المحلة المفتعلة.. سوف أطالب الشعب -الذى دائماً يريد- أن يحترم جيشه العظيم وشرطته المطحونة التى ضحت بأكثر من أربعمائة وخمسين شهيداً حتى يومنا هذا غير المصابين والعجزة فى المستشفيات.. أن نتوقف عن سرد القصص الوهمية عن التعذيب فى الأقسام والسجون، وأن نتوقف عن تصديق منظمات حقوق الإنسان التى لم نسمع لها صوتاً فى أقسى المذابح فى رفح وكرداسة وبورسعيد ولا فى إلقاء الأطفال من فوق الأسطح ولا سحل الكبار والصغار، ولا فى هتك عرض المتظاهرات بالسلاح الأبيض، أن نتوقف عن خلق النماذج المفتعلة من الضحايا حتى يتواصل التهليل والتضليل وتتواصل الفوضى وينطلق التهديد والوعيد من عاصمة الأمريكان. لابد أن نعى أن المستقبل حرج للغاية.. سوف نواجه كوارث فى المياه والبترول والكهرباء والدين الداخلى والبطالة والسياحة، التى يقتلها الإرهاب كل يوم، والاستثمار الهارب خارج البلاد والأخطار الخارجية التى تحيط بحدود مصر من الغرب والشمال والجنوب والشرق.. والإرهاب الذى ينفجر فينا كل يوم وساعة وفى كل مكان.. التحدى شديد للغاية.. والمصاعب جمة وكارثية والشعب الذى «يريد» لا بد أن يعطى الآن من الجهد الصادق كل ما لديه من طاقة عمل مخلصة.. نحن شعب لا يظهر معدنه الحقيقى إلا فى أيام التحدى.. وها هو التحدى فى أوضح صوره وعلينا أن نثبت أننا قادرون على اجتياز الأزمة والوصول بمصر إلى بر الأمان.. يداً بيد مع الرئيس القادم..