مقارنة بالنجاح الذي حققه أوبريت "تسلم الأيادي"، فشل أوبريت "مصر بلدنا" ولكن إذا عرف السبب بطل العجب، ربما لأن الظروف والوقت الذي كُتب فيه لم يكن حساسا ودقيقا مثل ظرف "تسلم الأيادي"، برغم أنه كان وقتًا مهمًا أيضًا لأنه وقت الاستفتاء على الدستور. وهذه كانت الرسالة الأخيرة والأهم التي يحتويها الأوبريت وهي التصويت بنعم للدستور، لكن استعجال مصطفى كامل في عمل الأوبريت ونشره قبل التصويت على الدستور كان هو السبب الرئيسي في عدم نجاح الأوبريت مثل الأوبريت الذي سبقه والذي تغنى به المصريون في كل مكان لكنه أيضا ليس السبب الوحيد السرعة وضيق الوقت، بل هذا السبب أيضا جعل مصطفى كامل يقع أيضا في مغالطات في النص لا يمكن أن يقع بها شاعر مبتدئ عندما قال بالنص "يفضل جامع جنب الدير.. وبنتمنى لبعض الخير" وهذه مغالطة كبيرة، فمن الصعب أن يكون جامع بجوار دير. إن سألت أي شخص مسلم وليس مسيحيًا.. ما هو الدير؟ سيكون رده بكل تلقائية: الدير مكان غالبا ما يكون بعيدًا عن الناس خارج المناطق السكنية ليتعبد به الرهبان.. يوجد فرق كبير بين الدير والكنيسة، في مصر يتجاور بالفعل الجامع والكنيسة، لكن يبدو أن مصطفى كامل استخدم كلمة الدير من أجل القافية متناسيًا مهمة الدير واختلافه عن الكنيسة أو أنه لا يعلم الفرق بين الدير والكنيسة وهذه مصيبة أعظم، ولا يعلم أيضًا بأن تعاليم المسيحية تنهى عن الحلفان لا بالسماء ولا بالأرض ولا بحياة أي أحد وتقول كلماته بلسان هاني رمزي "وانت يا كل مسيحي في ديرك هات إنجيلك.. وحياة العدرا أم النور"، ربما لم يكن يقصد أن يجعل المسيحيين يحلفون بحياة العذراء بل كان يقصد أن يقول (عشان خاطر العدرا أم النور) وهنا أستطيع أن أقول إن المعنى في بطن الشاعر. وأيضا اختيار محمد هنيدي للمشاركة في الأوبريت لم يكن اختيارا موفقا، وحتى أبياته الشعرية التي كان يلقيها الفنان محمد هنيدي تقول "عمر الكره ما يبني وطن.. اللي بيبني الأوطان دايما هما الناس اللي يحبوه". لكن للأسف لم تكتب بهذا الشكل بل كتبت عمر الكره ما يبني وطن.. اللي بيبني أي وطن، ناس بيحبوه، اختصار الجملة جعلها موسيقياً غير ممتعة للمستمع، وحتى طريقة محمد هنيدي في إنهاء الجملة لم تكن موفقة، والآن يبقى الأوبريت كما هو بأخطائه ليشهد التاريخ بأن الفن ليس (سلق بيض). لا يجب أن نتعجل مولد أي مُنتج فني وخروجه للساحة، ويبقى مصطفى كامل شاعرا وقامة فنية نفخر بها، نثني عليه حين يصيب ليبدع أكثر وننتقده حين يخطئ لكي يدرك أخطاءه، ولا يتعجل في نشر أي عمل فني مرة أخرى، لأن الفن يعيش لأجيال وأجيال. ولا نريد أن نترك لأجيالنا المقبلة مفاهيم ومفردات خاطئة وبعيدة عن الواقع.