اهتم البعض برصد ردود الفعل الأمريكية على الزيارة التى قام بها المشير عبدالفتاح السيسى إلى روسيا، واستقبله فيها الرئيس فلاديمير بوتين، ونوهوا إلى أن الإعلام الأمريكى بدأ يدعو الإدارة الأمريكية إلى مراجعة مواقفها، والتخلى عن الضغوط التى تحاول ممارستها على السلطة المؤقتة فى مصر. والواضح أن هؤلاء فهموا أن الهدف من الزيارة التى قام بها المشير إلى روسيا هو «فلفلة» أمريكا ليس أكثر، لدفعها إلى العودة إلى سابق عهدها فى إقامة علاقة وطيدة مع النظام الحاكم فى مصر. آخرون فهموا أن الزيارة تعنى أن السلطة الحالية فى مصر تبحث عن «كفيل دولى» جديد بدلاً من الكفيل الأمريكى التقليدى الذى لجأت إليه أنظمة الحكم فى مصر منذ عام 1974، وهو العام الذى شهد الزيارة الشهيرة للرئيس الأمريكى «نيكسون» لمصر فى عهد «السادات»، وتواصلت حتى الآن. ويرى هذا القسم من المراقبين أن مصر فى عهد «السيسى» تحاول العودة من جديد إلى «الكفيل الروسى»، اعتماداً على العلاقة الوطيدة التى ربطته بمصر خلال فترة الخمسينيات والستينيات. وقد وجد هؤلاء فى كلمة «المشير» أمام الرئيس بوتين ما يبرر تصورهم هذا، حين ذكّر «بوتين» بالعلاقات العميقة التى ربطت ما بين مصر وموسكو خلال فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر. وواقع الحال أن مصر فى غنى عن «فلفلة» أمريكا، كما أنها ليست بحاجة إلى استبدال كفالتها بالسير فى فلك قوة دولية أخرى مثل «روسيا». الذى تحتاجه مصر حقيقة هو إقامة علاقات دولية متوازنة مع الجميع، بعبارة أخرى نحن نعيش فرصة تاريخية لا بد أن نستغلها لإقامة علاقات متوازنة مع القوى الدولية، لا تميل كفتها لصالح أحد على حساب أحد. وفى تقديرى أن الرئيس جمال عبدالناصر كان يسعى إلى ذلك، حين كان يؤكد أن علاقات مصر الدولية لا بد أن ترتكز على مبدأ الحياد الإيجابى وعدم الانحياز، وكلنا يعلم أنه ساهم مع «نهرو» و«تيتو» فى تأسيس حركة كان عنوانها «عدم الانحياز»، لكن الظروف الدولية لم تساعده حينذاك على ذلك. الأمر هذه المرة مختلف، إذ بإمكان مصر أن تعيش معادلة أكثر توازناً مع قوى العالم الخارجى، زيارة «السيسى» لروسيا ستكون عظيمة الفائدة إذا صبت فى هذا الاتجاه، ولم تأتِ فى سياق «العناد» أو «المكايدة» للولايات المتحدةالأمريكية! وأهمية معادلة التوازن تلك أنها ستساعد مصر على تنويع مصادر السلاح، وهو أمر مطلوب، كما أنها ستمنح مصر قدراً أكبر من المرونة والقدرة على التأثير فى العديد من الملفات الإقليمية التى تهم مصر، لعل على رأسها ملف «سد النهضة الإثيوبى» الذى تراهن إثيوبيا على مواصلة بنائه، ليس اعتماداً على الظروف الداخلية الحالية التى تعيشها مصر، بل اعتماداً على ضعف الآلة الخارجية المصرية على المستوى الدولى. أما فهم وتقديم ما حدث على أنه إعلان «طلاق» من أمريكا و«إشهار» زواج بروسيا فأمر يثير القلق.. لأن المسألة ليست «تغيير عتبة»!